(72) التعجيل أم التأخير بإقامة صلاة الفجر؟ وهل يجوز أن تؤخر إلى ساعة؟!

  1. السؤال: فضيلة الدكتور: هل الأفضل التعجيل بإقامة صلاة الفجر أم تأخيرها؟ وذلك أننا في مسجدنا وخصوصا في وقت الصيف يؤخر القائمون على المسجد صلاة إقامة الصلاة مدة تصل إلى قريب من ساعة بعد الأذان فهل هذا يجوز؟!

 

ملخص الفتوى:

لا شك أن إقامة الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر هو التعجيل بها، فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ، يعني في ظلمة الليل قبل أن يسفر النهار عن ضوءه، والجمهور على ذلك، وأما حديث ” أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ” يعني حصلوا مع ضوء النهار، فهذا على غير الأصل، وإنما إذا كانت هناك حاجة أو ضرورة، أو المقصود الإطالة في القراءة حتى يسفر النهار. وعلى الإمام والناس في كل مسجد أن يراعوا أحوال المصلين، ويراعوا ما يكو نفي الصيف من تأخر العشاء وتقدم الفجر.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فمعلوم أن الأصل في الطاعات المبادرة بفعلها إلا ما دلّ الدليل على تأخيره، والله تعالى يقول: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، كما أن للصلاة مواقيت محددة لا يجوز للعبد أن يتجاوزها أو أن يتوانى فيها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على وقتها من أفضل الأعمال، روى البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، كما شنّع بمن يؤخر الصلاة من الأمراء فقال فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ – أَوْ – يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟» قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ».

  • التعجيل بالفجر مرغوب وهو أفضل:

وأما الفجر فقد جاء التعجيل به وبالمغرب دون غيرهما من الصلوات، وقد روى البخاري ومسلم عَنْ جَابِرَ قال: كَانُوا – أَوْ كَانَ – النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ…

والمقصود بالتغليس: هو صلاة الفجر في ظلمة الليل قبل أن يسفر النها عن ضوءه، وهو يعني اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، ومعنى هذا أن تقام الصلاة والناس لا يعرف بعضهم بعضا إذا لم يكن هناك ضوء غير ضوء النهار. روى الطبراني أَنَّ قَيْلَةَ بِنْتَ مَخْرَمَةَ قالت: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَقَدْ أُقِيمَتْ حِينَ شَقَّ الْفَجْرُ، وَالنُّجُومُ شَابِكَةٌ فِي السَّمَاءِ، وَالرِّجَالُ لَا تَكَادُ تَعَارَفُ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَصَفَفْتُ مَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةً حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ الَّذِي يَلِينِي مِنَ الصَّفِّ: امْرَأَةٌ أَنْتِ أَمْ رَجُلٌ؟ فَقُلْتُ: لَا بَلِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: إِنَّكِ قَدْ كِدْتِ تَفْتِنِينِي فَصَلِّي فِي النِّسَاءِ وَإِذَا صَفٌّ مِنَ النِّسَاءِ قَدْ حَدَثَ عِنْدَ الْحُجُرَاتِ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ حِينَ دَخَلْتُ… (المعجم الكبير للطبراني (25/ 8).

وقال ابن عبد البر: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون، ومحال أن يتركوا الأفضل ويأتوا الدون وهم النهاية في إتيان الفضائل… (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 340).

الجمهور يرى التعجيل (التغليس):

ولا شك أن وقت الفجر ممتد حتى شروق الشمس، وأن الأفضل هو التعجيل بالصلاة في أول وقتها، وهو ما وصفه الحديث بالتغليس، وهذا قول الجمهور، وقال ابن قدامة: وأما صلاة الصبح فالتغليس بها أفضل، وبهذا قال مالك، والشافعي وإسحاق. وروي عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبي موسى وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، ما يدل على ذلك… (المغني لابن قدامة (1/ 286). وجاء في (الموسوعة الفقهية): يرى جمهور الفقهاء أن التغليس: أي أداء صلاة الفجر بغلس أفضل من الإسفار بها… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 321).

أبو حنيفة يرى التأخير (الإسفار):

والمقصود بالإسفار بالفجر: أي تأخير الإقامة إلى أن ينتشر الضوء ويتمكن كل من يريد الصلاة بجماعة في المسجد من أن يسير في الطريق بدون أن يلحقه ضرر، كأن تزل قدمه، أو يقع في حفرة، أو غير ذلك من الأضرار التي تنشأ من السير في الظلام … (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 176). وقد ذهب أبو حنيفة خلافا للجمهور إلى الإسفار بصلاة الفجر، جاء في (الموسوعة الفقهية): وقال الحنفية: ندب تأخير الفجر إلى الإسفار… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 321).

والدليل عن الأحناف ما رواه أحمد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْر” (قال محققو المسند: حديث صحيح (23635).

الجمع بين حديث (التغليس) وحديث (الإسفار):

وأما الجمع بين الأمرين فهو يسير والحمد لله، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء من القديم، وملخص ما جاء في أقوال الفقهاء:

  • أن الأصل هو التعجيل بالإقامة (التغليس)، وأن الأمر بالتأخير (الإسفار) فإنما يكون من باب التحقق من طلوع الفجر، فإذا تحقق من ذلك كان الأفضل هو التعجيل. قال ابن تيمية: على أن المراد الإسفار بالخروج منها أي أطيلوا صلاة الفجر حتى تخرجوا منها مسفرين… مجموع الفتاوى (22/ 96).
  • أن يكون المقصود بالإسفار هو الإطالة بالقراءة فلا ينتهي إلا وقد أسفر النهار، ومعلوم إطالة النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة الفجر لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وروى مسلم عَنْ أَبِي بَرْزَةَ “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ”. وهذا ما أوصى به الفاروق أبو موسى، حين قال له: (وَصَلُّوا الصُّبْحَ بِغَلَسٍ أَوْ بِسَوَادٍ وَأَطِيلُوا الْقِرَاءَةَ) (السنن الكبرى للبيهقي (1/ 553)، قال ابن تيمية: وقيل: المراد بالإسفار التبين أي صلوها إذا تبين الفجر وانكشف ووضح… (مجموع الفتاوى (22/ 96).
  • أن يكون التعجيل بالإقامة هو الأساس، وأما تأخير الإقامة فيكون عند الحاجة أو الضرورة، كحال الكثير من البلاد في فصل الصيف، فإن تأخير الإقامة رحمة بالناس حيث يقصر الليل ويطول النهار. قال ابن تيمية: بل التغليس أفضل إذا لم يكن ثم سبب يقتضي التأخير فإن الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين أنه كان يغلس بصلاة الفجر… (مجموع الفتاوى (22/ 95).

لا يجوز التأخير حتى يخرج وقت الصلاة أو يشك في ذلك:

لكنه لا يجوز تأخيرها إلى وقت يشك فيه المصلي أن الشمس قد طلعت، وذلك لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقد روى الطبراني عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: “إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ ” (المعجم الكبير للطبراني (9/ 275).

والتأخير حتى الشروق سواء عند بدء الصلاة أم أثنائها غير جائز عن كل الفقهاء، حتى من قال بالإسفار (الأحناف)، وهذا الزيلعي يقول: و(ندب تأخير الفجر) أي يستحب تأخير الفجر ولا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس؛ بل يسفر بها بحيث لو ظهر فساد صلاته يمكنه أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبة… (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 82).

إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى تأخير الإقامة فهذا من السنة:

وبناء على ما سبق فلا مانع من تأخير إقامة صلاة الفجر إذا كانت هناك حاجة أو ضرورة، فإذا رأى الإمام أن مصلحة الأغلبية في تأخير الصلاة أخروها، وإن رأوا أن المصلحة في تقديمها قدموها.

وكذلك يجوز للفرد التأخير والتقديم بالصلاة إن كان في حاجة إلى ذلك، فلو أتى من عمله متأخرا، ورأى من الصعوبة أن يقوم في أول صلاة الفجر فله أن يؤخرها حتى قبل الشروق، على ألا يجعل ذلك عادة له، بسبب أو بدون سبب.

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*