- السؤال: فضيلة الشيخ، السلام عليكم، أبي يريد أن يهديني هدية يخصني بها دون غيري من الإخوة، فما حكم الهدية، وهل تجب أن يسوي أبي بيني وبين إخوتي؟ أرجو الإجابة، نفع الله بكم
ملخص الفتوى:
العطاء بعد الممات لا يكون إلا بما قسمه الله في كتابه، وهو ما يعرف بالميراث، فإن خص أحدا بشيء ولم يتمكن منه كان وصية، ولا شك أن الوصية لا تكون لوارث، وأما الهدية في الحياة فقد اتفق العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية، ولكنهم اختلفوا في حكم هذه التسوية فقد ذهب الحنابلة إلى الوجوب، والجمهور على أن هذه التسوية على الاستحباب، ويمكن القول بأن التفضيل يحرم إن قصد به الضرر بأحد الأولاد، أو كان على أساس النوع كأن يفضل الذكور على الإناث أو العكس، أو كان بالمال كله، ولكنه يجوز إن لم يقصد به الضرر، أو كانت هناك حاجة لهذا التفضيل.
كما اختلف العلماء في التسوية بين الأولاد هل تكون باعتبار الميراث (للذكر مثل الأنثيين) أم يسوي بين الجميع مهما كان النوع، والراجح هو تسوية الإناث بالذكور، فإن أعطى الولد (100) أعطى البنت (100) مثله، لأن الأحاديث الواردة لم تفرق بين ذكر وأنثى، ولكون هذا في حياة الواهب فليس بميراث.
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين..
أما بعد،،،
فأجيب على هذا السؤال على هذا النحو:
- الفرق بين العطاء في الحياة وبعد الممات:
لا بد أن نفرق بين العطاء في الحياة والعطاء بعد الموت، ويمكن تقسيم ذلك إلى أمور أربعة:
- الهدية: ما يعطى إكراما وتوددا وتأليفا له دون مقابل، شريطة أن يكون الشخصان على قيد الحياة.
- الصدقة: ما يعطى ابتغاء وجه لله لشخص ما، ويكون ذلك من الغني للفقير والعكس، وللمسلم ولغير المسلم.
- الهبة: ما يعطى بلا مقابل ولا عوض، ويقصد به نفع المعطى.
- الوصية: ما قصد منه التمليك ويكون بعد الموت.
- حكم العطاء بعد الممات:
العطاء بعد الممات لا يكون إلا بما قسمه الله في كتابه، وهو ما يعرف بالميراث، فإن خص أحدا بشيء ولم يتمكن منه كان وصية، ولا شك أن الوصية لا تكون لوارث، روى أحمد عن عَمْرَو بْنَ خَارِجَةَ، قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، فَقَالَ: “إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ” (قال محققو المسند: صحيح لغيره).
- وجوب العدل بين الأولاد:
لا شك أن العدل عموما مطلوب ومأمور به، قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، والعدل بين الأولاد أوجب وأوكد لما فيه من زيادة البر من الود، وإعانته على ذلك، جاء عند ابن أبي شيبة عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ» (ضعفه الألباني)، لكن المعنى صحيح.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب (النفقة على العيال) عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ إِذْ جَاءَ صَبِيٌّ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى قَالَ: فَلَبِثَ قَلِيلًا فَجَاءَتِ ابْنَةٌ لَهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ فَمَسَحَ رَأْسَهَا وَأَقْعَدَهَا فِي الْأَرْضِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا عَلَى فَخِذِكَ الْأُخْرَى» فَحَمَلَهَا عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ عَدَلْتَ».
وقد رأينا ما فعل إخوة يوسف في أخيهم حين توهموا تفضيل أبيهم له، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ* إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 7، 8].
- حكم الهدية حال الحياة:
هناك اتفاق واختلاف بين العلماء في هذه المسأـلة، وبيانه:
- اتفق العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية، قال ابن قدامة: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل… (المغني لابن قدامة (6/ 53).
- وقع الخلاف في حكم هذه التسوية:
- على سبيل الوجوب.
- على سبيل الندب.
وفي هذا تفصيل وبيانه كالتالي:
- القول الأول: وجوب التسوية:
وقال بهذا الحنابلة، وأبو يوسف من الحنفية، وهو قول ابن المبارك، وطاووس، وهو رواية عن مالك. (الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 359).
واستدل هؤلاء بما يلي:
- ما رواه الشيخان عن مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ»، قَالَ: لاَ، قَالَ «فَارْجِعْهُ». والشاهد في قوله (فارجعه).
- ما جاء في رواية أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نُحْلًا، قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ: نَحَلَهُ غُلَامًا، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: ائْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشْهِدْهُ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي النُّعْمَانَ نُحْلًا، وَإِنَّ عَمْرَةَ سَأَلَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: ” أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ” فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ النُّعْمَانَ؟ ” فَقَالَ: لَا، فَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ: ” هَذَا جَوْرٌ ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ” هَذَا تَلْجِئَةٌ، فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي “، وَقَالَ مُغِيرَةُ فِي حَدِيثِهِ: ” أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ سَوَاءً؟ ” قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ” فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ” (قال محققو المسند: حديث صحيح).
- ووجه الدلالة هنا في قوله:” هَذَا جَوْرٌ”، وهذا يعني الحرمة.
- وقوله:”فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي”. الأمر للتهديد كما في قوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، وقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40].
- ما رواه ابن حبان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: طَلَبَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ إِلَى بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ يَنْحِلَنِيَ نَحْلًا مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّهُ أَبَى عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ حَوْلٍ أَوْ حَوْلَيْنِ أَنْ يَنْحَلَنِيهِ، فَقَالَ لَهَا: الَّذِي سَأَلْتِ لِابْنِي كُنْتُ مَنَعْتُكِ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَنْحَلَهُ إِيَّاهُ. قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، لَا أَرْضَى حَتَّى تَأْخُذَ بِيَدِهِ، فَتَنْطَلِقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُشْهِدَهُ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هَلْ لَكَ مَعَهُ وَلَدٌ غَيْرَهُ؟ ” قَالَ: نَعَمْ قَالَ: “فَهَلْ آتَيْتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي آتَيْتَ هَذَا؟ ” قَالَ: لَا. قَالَ: “فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى هَذَا، هَذَا جَوْرٌ، أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي النَّحْلِ، كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ واللطف”.
- ووجه الدلاة هنا في قوله:” اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي النَّحْلِ” يقتضي الوجوب.
- ما رواه سعيد بن منصور في سننه عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَاوُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أَحَدًا لَآثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ»، (قال الألباني: وهذا إسناد صحيح مرسل، والطريق المرفوعة ضعيفة).
- والحديث وإن كان ضعيفا إلا أنه صحيح المعنى، وذلك لضعف النساء وعناية الإسلام بهم مطلقا.
- والأمر بالعدل يقتضي الوجوب، قال ابن قدامة: وهو دليل على التحريم؛ لأنه سماه جورا، وأمر برده، وامتنع من الشهادة عليه، والجور حرام، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه، كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها… (المغني لابن قدامة (6/ 52).
- رجوع أبي بكر رضي الله عنه في عطيته لأمنا عائشة رضي الله عنها، وسيأتي. قال ابن قدامة: وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به معه. ويحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه، مع اختصاصها بفضلها، وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من فضائلها.. (المغني لابن قدامة (6/ 52).
- أصول الشريعة التي تقتضي درء المفاسد وجلب المصالح، وفي مثل هذا مفاسد لا يعلمها إلا الله، قال ابن القيم: وأمر بالتسوية بين الأولاد في العطية، وأخبر أن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح، ولا تنبغي الشهادة عليه. وأمر فاعله برده ووعظه وأمره بتقوى الله تعالى، وأمره بالعدل لكون ذلك ذريعة ظاهرة قريبة جدا إلى وقوع العداوة بين الأولاد وقطيعة الرحم بينهم، كما هو المشاهد عياناً، فلو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بالمنع منه، لكان القياس وأصول الشريعة وما تضمنته من المصالح ودرء المفاسد يقتضي تحريمه… (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 365).
- القول الثاني: استحباب التسوية:
وهو قول الجمهور، جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن التسوية بينهم في العطايا مستحبة، وليست واجبة… (الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 359).
واستدل هؤلاء بما يلي:
- ما رواه مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نُحْلًا، ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمُ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ»، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مُحَمَّدًا، فَقَالَ: إِنَّمَا تَحَدَّثْنَا أَنَّهُ قَالَ: «قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ».
والشاهد هنا في قوله: (قاربوا) والمقاربة غير التسوية.
- ما رواه النسائي عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ قال: ذَهَبَ بِي أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْهِدُهُ عَلَى شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ، فَقَالَ: «أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، وَصَفَّ بِيَدِهِ بِكَفِّهِ أَجْمَعَ كَذَا، «أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟».
والشاهد هنا في قوله: «أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟» فهو للاستحباب ولا يفيد الأمر ولا الوجوب.
- ما جاء في رواية أحمد “فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي”. وكأنه يفيد الجواز. وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم عدم التسوية في العطاء بالجور، فلا يعني الحرمة، وإنما الكراهة، قال النووي: فليس فيه أنه حرام، لأن الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان حراما أو مكروها، وقد وضح بما قدمناه أن قوله صلى الله عليه وسلم “أشهد على هذا غيري” يدل على أنه ليس بحرام، فيجب تأويل الجور على أنه مكروه كراهة تنزيه. وفي هذا الحديث أن هبة بعض الأولاد دون بعض صحيحة وأنه إن لم يهب الباقين مثل هذا استحب رد الأول… (شرح النووي على مسلم (11/ 67).
- ما رواه مالك عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: “وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ. وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ، وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ.
- الترجيح:
والحق أن الجمع بين القولين إعمالا لكل الأدلة هو الراجح، وهذا يعني:
- حرمة التفضيل: ويكون التفضيل محرما في هذه الأحوال:
- إذا قصد من ذلك الضرر بأحد الأولاد.
- التفضيل على أساس النوع، كأن يفضل الولد لأنه ذكر أو العكس.
- إذا كان ذلك بالمال كله، والضرر هنا لا محالة متحقق، وفي ذلك:
- مخالفة لشرع الله في التوزيع والميراث.
- التسبب في الضغينة بين الأولاد.
- جواز التفضيل: ويجوز التفضيل في هذه الأحوال:
- إذا لم يقصد الضرر.
- إذا كانت هناك حاجة لهذا التفضيل.
وقد رأينا أبو بكر يخصص عائشة رضي الله عنها إما لحاجة أو لفضل، قال ابن قدامة: وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به معه. ويحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه، مع اختصاصها بفضلها، وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من فضائلها.. (المغني لابن قدامة (6/ 52).
- أمور يجوز فيها تخصيص البعض:
ومن الأمور التي يجوز فيها تفضيل البعض:
- أن يكون أحد الأولاد طالب علم، وليس لديه القدرة على النفقة على نفسه.
- أن يكون ذلك من باب المكافأة على خير قدمه، كأن يكون حفظ كتاب الله تعالى، أو حصل على درجة علمية، فهذا يكون من باب التشجيع.
- أن يكون أحد الأولاد ذا حاجة، كفقر ظاهر، أو كثرة ولد.
- أن يكون أحد الأولاد ذا مرض أو عاهة.
- ما معنى العدل؟ هل يكون بالتسوية بين الذكر والأنثى أم على حسب الميراث؟
اختلف العلماء في التسوية هل تكون الأنثى كالذكر، أم بحسب الميراث؟ وهذا بيانه:
- التسوية المطلقة: فيكون الذكر كالأنثى: وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن معنى التسوية بين الذكر والأنثى من الأولاد: العدل بينهم في العطية بدون تفضيل؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك لم تفرق بين الذكر والأنثى…. (الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 360).
- العطاء على مثل ما يكون من الميراث: جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الحنابلة، والإمام محمد بن الحسن من الحنفية، وهو قول مرجوح عند الشافعية إلى أن المشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم: أي للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأن الله سبحانه وتعالى قسم لهم في الإرث هكذا، وهو خير الحاكمين، وهو العدل المطلوب بين الأولاد في الهبات والعطايا. (الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 360).
- الراجح:
والراجح هو تسوية الإناث بالذكور، فإن أعطى الولد (100) أعطى البنت (100) مثله، لأن الأحاديث الواردة لم تفرق بين ذكر وأنثى، ولكون هذا في حياة الواهب فليس بميراث.
والله تعالى أعلم…
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
