(69) حكم صيام السبت وحده إن صادف يوم عاشوراء أو عرفة

  1. السؤال: هل يجوز صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة إذا صادف يوم السبت؟ فقد سمعنا من العلماء من قال بحرمة صوم يوم عاشوراء أو عرفة إن صادف يوم السبت؟

ملخص الفتوى:

لا مانع من صيام يوم عاشوراء أو عرفة إن صادف يوم السبت إن صادف فرضا كرمضان أو قضاء أو نذر. ولا مانع من صيامه إن كان نفلا وصام قبله يوما أو بعده يوما، ولا مانع كذلك إن وافق أياما سن الشرع صيامها كيوم عرفة أو يوم عاشوراء، ومثل ذلك أن يوافق عادة كمن يصوم يوما ويفطر يوما فهذا لا بأس به أيضا.

أما المنهي عنه أن يخصه بصوم تطوع، وفي هذا يفهم حديث: ” لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ”

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله…..

وبعد،،،

فهذه مسألة مهمة والكلام فيها سيكون على هذا النحو:

  • صوم يوم السبت في الفريضة: فأجمع العلماء على صحة صوم السبت في الفرض، سواء كان الفرض رمضان أو قضاء أو كفارة أو نذرا. ويستدل لذلك بحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ” (رواه أحمد، وصححه الألباني، وقال محققو المسند: رجاله ثقات، إلا أنه أعل بالاضطراب والمعارضة). قال الطيبي: وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة… (تحفة الأحوذي (3/ 372).
  • صوم يوم السبت في غير الفريضة: وللعلماء في ذلك أقوال:
  • القول الأول: النهي عن صوم يوم السبت لغير الفرض، وحجتهم في ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهَا” (رواه أحمد، وصححه الألباني، وقال محققو المسند: رجاله ثقات، إلا أنه أعل بالاضطراب والمعارضة). قال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا… (شرح معاني الآثار (2/ 80).
  • القول الثاني: الجواز مطلقا، وبه قال مالك وغيره من أهل العلم، وقد قالوا بضعف حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهَا” قال الطحاوي: وخالفهم في ذلك آخرون -أي في القول بالحرمة- فلم يروا بصومه بأسا. وكان من الحجة عليهم في ذلك… أن «أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء وحض عليه»، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه. ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما، ويفطر يوما”. ففي ذلك أيضا التسوية بين يوم السبت وبين سائر الأيام. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بصيام أيام البيض…. (شرح معاني الآثار (2/ 80). وقال الحافظ ابن حجر في (التلخيص)، وأكثرُ أهل العلم على عدم الكراهة، مستدلين بالنصوص الكثيرة التي تُحمل على جواز صيام يوم السبت. (تلخيص الحبير (6/ 472). وقال المرداوي: لم يذكر الآجري كراهة غير صوم يوم الجمعة، فظاهره لا يكره غيره… (الإنصاف 3 / 347).
  • القول الثالث: حرمة إفراد يوم السبت في النافلة، لكن إن كان قبله يوم أو بعده يوم فلا حرمة من ذلك، وهؤلاء جمعوا بين حديث عبد الله بن بسر الذي جاء بالحظر، وبين غيره من الأحاديث التي نصت الجواز ما كان قبله أو بعده يوم، ومن ذلك:
    • ما رواه الشيخان: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ”. ولا شك أن صيام السبت حاصل في كل شهر مرتين وقد يزيد في بعض الأشهر.
    • وفي الصحيحين أيضا: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا». ولا شك أن صيام السبت واقع لا محالة في الشهر أكثر من مرة.
    • وروى البخاري عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟»، قَالَتْ: لاَ، قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: لاَ، قَالَ: «فَأَفْطِرِي». ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو السبت!!
    • وعند أحمد: عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامٍ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ”. قال ابن قدامة: والمكروه إفراده، فإن صام معه غيره؛ لم يكره؛ لحديث أبي هريرة وجويرية. وإن وافق صوما لإنسان، لم يكره، لما قدمناه… (المغني لابن قدامة (3/ 171).

المنهي عنه هو قصد يوم السبت بالصيام:

وهذا يعني أن من تعمد صيام السبت في النفل دون سبب فهذا هو المنهي عنه، لأنه يوافق عيد قوم نهى الشرع عن موافقتهم، ولابن القيم كلام نفيس في فهم حديث عبد الله بن بسر “لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ”؛ حيث يجعل الحرمة لمن قصده في النفل، فيقول: وعلى هذا فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم :”لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْت” أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض، فإن الرجل يقصد صومه بعينه بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت، كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت فإنه يصومه وحده، وأيضا فقصده بعينه في الفرض لا يكره بخلاف قصده بعينه في النفل فإنه يكره، ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه أو موافقته عادة، فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضا لا المقارنة بينه وبين غيره. وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه أو موافقته عادة ونحو ذلك. قالوا وأما قولكم إن الاستثناء دليل التناول إلى آخره فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي، فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم فكلا الصورتين مخرج، أما الفرض فبالمخرج المتصل، وأما صومه مضافا فبالمخرج المنفصل فبقيت صورة الإفراد واللفظ متناول لها ولا مخرج لها من عمومه فيتعين حمله عليها. (عون المعبود وحاشية ابن القيم (7/ 51).

  • صوم يوم السبت إن صادف عادة أو سنة: وجمهور العلماء على أنه يشرع الصيام إن صادف عادة كمن يصوم يوما ويفطر يوما، أو سنة كيوم عرفة أو عاشوراء، ويدل على ذلك ما رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ»، قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا»، وهذا المقام مقام بيان، ولو كان صوم السبت محرما لبين له النبي صلى الله عليه وسلم حرمته، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، بل جاء السنة ما يبح صوم الأيام المنهي عنها إن وافق ذلك عادة: روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»، قال النووي: قال أصحابنا يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم فان وصله بصوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر صوم يوم شفاء مريضه أو قدوم زيد أبدا فوافق الجمعة لم يكره… (المجموع شرح المهذب (6/ 437))، وقال ابن قدامة: وإن وافق صوما لإنسان، لم يكره.. ((المغني لابن قدامة (3/ 171)).

الخلاصة:

وخلاصة القول: أن صوم يوم السبت على تفصيل:

  • أن يكون فرضا كرمضان أو قضاء أو نذر، فهذا لا يحرم صيامه.
  • أن يكون نفلا وصام قبله يوما أو بعده يوما فهذا أيضا لا بأس.
  • أن يوافق أياما سن الشرع صيامها كيوم عرفة أو يوم عاشوراء فهذا يشرع صومه أيضا.
  • أن يوافق عادة كمن يصوم يوما ويفطر يوما فهذا لا بأس به أيضا.
  • أن يخصه بصوم تطوع فهذا هو المنهي عنه.

وأخيرا: فليعلم أن في المسائل الخلافية لا يجوز تجريم المخالف ولا تأثيمه، بل لكل أجر وثواب..

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*