لماذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
د: أكرم كساب
القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يعجب كل العجب حين يطالع حياته صلى الله عليه وسلم بطولها وعرضها؛ ليخرج في النهاية بحقيقة تؤكد أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان عبداً ربانياً، خالصاً لله تعالى، كأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له في حياته كلها إلا أن يتعبد لربه، وليس في هذا أدنى عجب إذا تذكرنا قوله تعالى:( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) الأنعام: 162، 163).
ولله در عبد الله بن رواحة حين قال:
أَتانا رسول الله يتـلـو كـتـابَـه كما لاح مشهورٌ من الفجر ساطُع
يبيت يجافي جنبه عـن فـراشـه إِذا استَثَقلَت بالمشركين المضاجع
أَتى بالهدى بعد العمى فقلـوبُـنـا به موُقِنَاتٌ أَن مـا قـال واقـع
وليس الهدف من هذه الموضوعات مجرد سرد قصص نبوي من خلال كتب الحديث والتفسير والسيرة، وإنما قصدنا من خلال هذا العرض أن ندرك مدى عمق هذه العلاقة التي بنيت من أول يوم على الإخلاص لله وحده، والعمل لمرضاته، والسعي لتعبيد الخلق لله ربالعالمين.
ولا شك أننا مطالبون بجعل النبي صلى الله عليه وسلم أنموذجا نقتدي به، وأسوة صالحة نترسم خطاها، وقد جاء الأمر بذلك في القرآن حيث يقول ربنا جلّ وعلا:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21).
شبهة وردّها:
وقد يلقي البعض بشبهة مفادها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خلق الله لمهمة هيأه لها إذ (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )(الأنعام: 124)، ومن ثمّ فإن الله صنعه على عينه كما صنع موسى على عينه، وهو جدير بقوله تعالى:( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(طـه: 39).
ولا شك أن ما ذكر هو عين اليقين وكبد الحقيقة، ولكن الله سبحانه يريد لنا أن نتأسى برسوله صلى الله عليه وسلم فيما هو في مقدور البشر، على أن يبذل البشر طاقتهم في سبيل الوصول إلى أمروا به وهذا هو المقصود من قوله تعالى:( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة:286)، وقوله:( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (الأنعام:152) و(الأعراف:42) وقوله:( وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (المؤمنون:62).
قال الطبري: أي لا يكلف الله نفسا فيتعبدّها إلا بما يسعها، فلا يضيّق عليها، ولا يجهدها. (تفسير الطبري/ ج3/154).
وقال رشيد رضا والمعنى أنَّ شأنه تعالى وسنته في شرع الدّين ألا يُكلّف عباده ما لا يطيقون(تفسير المنار / ج3/145).
وقال صاحب العقيدة الطحاوية: ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم، وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله.( شرح العقيدة الطحاوية/ ابن أبي العز الحنفي/ ص 444).
وفي هذه الكلمات سنحاول إن شاء الله إلقاء الضوء على ملامح هذه العلاقة النبوية، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.