علاقة المصطفى بربه (10) تحبيب خلقه إليه

تحبيب خلقه إليه

د: أكرم كساب

الناس في دعوتهم إلى الله تعالى أنواع: منهم من يحبب الله في خلقه، ومنهم من يقنط الخلق من الله، منهم من يخوف الناس من الهلكة؛ فربما أفزعهم وآيسهم، ومنهم من يرجّي الناس في رحمة الله تعالى، منهم من يجعل الله في نظر خلقه بأنه منتقم جبار، سريع العقاب شديد العذاب، ومنهم من يجعل الله عند خلقه تواب رحيم وودود لطيف، منهم من يأخذ بسوط الترهيب، ومنهم من يأخذ بكف الترغيب.

والخير أن يجمع المرء بين الأمرين.

وقد كان من كلام الصديق لعمر رضي الله عنهما: ألم تر أن الله أنزل الرغبة والرهبة، لكي يرغّب المؤمن فيعمل، ويرهّب فلا يلقي بيده إلى التهلكة، وهذا ما قاله ابن عطاء الله في حكمه حين قال: لا يخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج، أو قلق مشوق.

وقد أحسن ربيب بيت النبوة علي حين وصف العالم كل العالم بقوله: من لم يؤيس عباد الله من روح الله، ولم يؤمنهم مكر الله.

وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم يُرغب قبل أن يُرهب، وهو في هذا إنما يريد أن يحبب الخلق في الخالق، ويقرب العبد من المعبود، ويطمع المسلم في رحمة ربه، ويّرجّيه في جنته.

وجاء في الأثر: عن زيد بن أسلم: أن رجلا كان في الأمم مجتهداً في العبادة ويشدد على نفسه ويقنط الناس من رحمة الله تعالى ثم مات، فقال: أي رب مالي عندك؟ قال النار. قال: أي رب فأين عبادتي واجتهادي؟ قال: فيقول: إنك كنت تقنط الناس من رحمتي في الدنيا فأنا أقنطك اليوم من رحمتي.

وفي الأثر القدسي:” أن أحب عبادي إلي من حببني إلي عبادي، وأخبرهم بسعة رحمتي، وأن أبغض عبادي إلي من قنط عبادي وآيسهم من رحمتي”.

وقد ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ هلّلنا وكبّرنا، ارتفعت أصواتنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس؛ أربِعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً، إنه معكم، إنه سميع قريب، تبارك اسمه، وتعالى جدّه”.

ومن وصفه صلى الله عليه وسلم لربه:” لا أحدٌ أحبُّ إليه المِدْحَةُ من الله، فلذلك مدح نفسه”.

ومن أروع الأحاديث التي تبين تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم ربه إلى خلقه؛ حديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي؛ فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم:” أترون هذه طارحة ولدها في النار؟” قلنا: لا. وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: “لله أرحم بعباده من هذه بولدها”.

ونحن جميعا بحاجة إلى غرس هذا الحب في قلوب الناس تجاه خالقهم ورازقهم سبحانه، فهو وإن كان جبارا متكبرا مهيمنا؛ إلا أنه هو الغفور الودود، البر التواب، الرحمن الرحيم، اللطيف الكريم…

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*