علاقة المصطفى بربه (13)شكر لما أنعم به

شكر لما أنعم به

د: أكرم كساب

ومن خصائص علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه: شكره لما أنعم الله به عليه، فكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسره خر لله ساجداً شكراً له عز وجل.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فبدا له الفجر قال:”سمع سامع بحمد الله ونعمته، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا فأفضل علينا، عائذا بالله من النار، يقول ذلك ثلاث مرات و يرفع بها صوته”. (رواه أبو داود).

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم أيضا:” رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر هداي إلي، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكراً -وفي رواية: شكاراً- لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعا، إليك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً…” (رواه أبو داود).

وعلم صلى الله عليه وسلم معاذا ما يقول بعد الصلاة فقال له:” يا معاذ، والله إني لأحبك فقال معاذ: بأبي وأمي يا رسول الله ، وأنا أحبك ، فقال:” أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة، أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”(رواه أبو داود).

وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الشكر عمليا، ومن ذلك ما رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه و سلم فانطلقنا معه فلما طعم و غسل يديه ـ أو قال يده ـ قال: الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ولا مكافىء ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسا من العري وهدى من الضلالة وبصر من العماية وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين”.

ولله در القائل:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة              عليَّ له في مثلها يجب الشكر

فكيف وقوع الشكر إلا بفضله            وإن طالت الأيام واتصل العمر

إذا مس بالسراء عمَّ سرورها              وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

وما منهما إلا له فيه منةٌ           تضيق بها الأوهام والبر والبحر

ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة عبادته، وقد غفر له ر به ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان جوابه:”أفلا أكون عبدا شكورا”. (متفق عليه).

ولا أدل على شكره صلى الله عليه وسلم من حاله يوم أن دخل مكة فاتحا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، وهو واضع رأسه تواضعًا لله، حتى إن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل، ونادى في أهل مكة قائلا:”ما تظنون أني فاعل بكم؟” فقالوا: خيرًا أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ، فقال:”لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ ) [يوسف:92]. وقد وصف الغزالي دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة بقوله: على حين كان الجيش الزاحف يتقدم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته تتوج هامته عمامة دسماء، ورأسه خفيض من شدة التخشع لله، لقد انحنى على رحله وبدا عليه التواضع الجمّ.. إن الموكب الفخم المهيب الذي ينساب به حثيثا إلى جوف الحرم، والفيلق الدارع الذي يحف به ينتظر إشارة منه فلا يبقى بمكة شيء آمن، إن هذا الفتح المبين ليذكره بماض طويل الفصول: كيف خرج مطاردًا؟ وكيف يعود اليوم منصورًا مؤيدًا؟ وأي كرامة عظمى حفه الله بها هذا الصباح الميمون؟ وكلما استشعر هذه النعماء ازداد لله على راحلته خشوعًا وانحناء… (فقه السيرة للغزالي، ص379، 380).

هذا هو الشكر الحقيقي الذي لا ينسب فيه نصره إلى نفسه، ولا إلى قوته وعتاده، وإنما الشكر إلى المنعم سبحانه.

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*