علاقة المصطفى بربه (14)ثقة ويقين بما وعده ربه

ثقة ويقين بما وعده ربه

د: أكرم كساب

ومن خصائص علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه: ثقة ويقين بما وعده به؛ إذ لم تر الدنيا كلها أحدا بلغ من الثقة منزلا ومن اليقين مرتبة كما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بالأدلة على ذلك، خذ مثلا موقفه صلى الله عليه وسلم حين أحاط المشركون بالغار، وأصبح منهم رأي العين وارتجف الصديق صاحبه، وقال له: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟” (رواه البخاري). وفي رواية: “اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما”.

وفي بدر رأى النبي صلى الله عليه وسلم كثرة عدوه لكن ذلك لم يرهبه، وإنما اتجه إلى ربه يستجديه نصره، ويطالبه بتحقيق وعده، فيقول:”اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تُعبد في الأرض أبدًا»، وما زال صلى الله عليه وسلم يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر ورده على منكبيه وهو يقول: يا رسول الىله كفاك مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك”، فأنزل الله عز وجل: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ). (رواه مسلم).

وفي رواية: فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك الله، فخرج صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) (رواه البخاري).

ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يفيض من ثقته على أصحابه فيقول لهم:”والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة”. ويقول:”قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض”(رواه مسلم).

ولما أثلج سعد معاذ صدر رسول الله بقوله له: فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد… سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن معاذ، ثم قال:”سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم”.

وما أروعها ثقته صلى الله عليه وسلم حين كان يلقاه أبي بن خلف فيقول: يا محمد إن عندي العود فرسًا أعلفه كل يوم، أقتلك عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل أنا أقتلك إن شاء الله” فلما كان يوم أحد، وأسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أي محمد لا نجوت، فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوه» فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطاير عنه من حوله تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه، فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشًا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد..(السيرة النبوية لابن هشام (3/93، 94).

وعن جابر بن عبد الله  أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال من يمنعك مني فقلت الله ثلاثا ولم يعاقبه وجلس. (رواه البخاري).

تلك هي الثقة التي نحتاج إليها فما جاء عن الله وثقنا به وإن غمز الغامزون، واستبعده المنافقون.

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*