علاقة المصطفى بربه (2) بحث دؤوب عن الإله الحق

أولا: بحث دؤوب عن الإله الحق

د: أكرم كساب

لم تكن علاقة النبي صلى الله عليه وسلم وليدة اللحظات الأولى للوحي المبارك؛ حين ضمه جبريل عليه وقال له: اقرأ، فقال: «ما أنا بقارئ» فغطه ثانية وثالثة  ثم أرسله فقال: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ علم الإنسان ما لم يعلم) [العلق: 1: 5] (رواه البخاري في الشروط (2732)). إنما كان صلى الله عليه وسلم يبحث – كما بحث غيره من الحنفاء– عن خالق هذا الكون ورازقه ومدبره، كان صلى الله عليه وسلم يرى هذا الكون الفسيح بسمائه ذات الأبراج، وأرضه ذات الفجاج، وبحاره ذات الأمواج… فلم ير في تلك الآلهة التي عبدتها قريش إلا العجز والضعف، فهي لا تبصر ولا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، وحين استحلفه بحيرا بها قائلا: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه – وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما – فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسألني باللات والعزى شيئا، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما. فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. فقال له: سلني عما بدا لك.(البداية والنهاية/ ابن كثير/ ج2/ 284).

ومما يؤكد هذا ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:”أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه –وهو التعبد– الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.

ولهذا قال له ربه عن هذه المرحلة: (وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) (الضحى:7).

وليس المقصود بالضلال هنا البعد عن الحق والذهاب إلى الباطل، وإنما المقصود هنا: الذهاب عن علم حقيقة الأمر المطابقة للواقع، يقول صاحب (أضواء البيان): الضلال يطلق في القرآن واللغة العربية ثلاثة إطلاقات:

الأول: الضلال بمعنى الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل. ومنه قوله تعالى: {غيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.

الثاني: الضلال بمعنى الهلاك والغيبة والاضمحلال، ومنه قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.

الثالث: الضلال بمعنى الذهاب عن علم حقيقة الأمر المطابقة للواقع، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}.( أضواء البيان(ج 19 / ص 316).

ويوضح هذا سيد قطب فيقول: لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها. ولكنك لم تكن تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً. لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا.. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به.

فهذه هي أول ميزات العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وربه، حيث كان يبحث عن العبادة الحقة حتى هداه الله إليه.

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*