علاقة حب دافق
د: أكرم كساب
لقد كانت علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه علاقة حبيب يتمنى رضا محبوبه، ووصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعلى مراتب الحب، وهي التي سماها ابن القيم: الخلة، ويصفها ابن القيم ( أي الخلّة) بأنها: المرتبة التي انفرد بها الخليلان إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، والخلة هي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير المحبوب. كما قيل:
قد تخللت مسلك الروح مني ولذا سمي الخليل خليلا
وهذا هو السر الذي لأجله – والله أعلم – أمر الخليل بذبح ولده، وثمــرة فؤاده، وفلذة كبده، لأنه لما سأل الولد فأعطيه، تعلقت به شعبة من قلبه، والخلـة منصب لا يقبل الشركة والقسمة، فغار الخليل على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره، فأمره بذبح الولد؛ ليخرج المزاحم من قلبه. فلما وطن نفسه على ذلــك، وعزم عليه عزما جازما حصل مقصود الأمر، فلم يبق في إزهاق نفس الولد مصلحة، فحال بينه وبينه وفداه بالذبح العظيم. (مدارج السالكين (3/28- 31).
ولقد كان أكبر همِّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيده الله من هذا الحب الفيّاض، لذا نراه يرفع صوته مناديا مولاه بقوله -كما رواه أبو داوود-:” اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك. اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله قوة لي فيما تحب. اللهم ما زويت عني مما أحب، فاجعله فراغا لي فيما تحب”.
وقد فطن النبي لهذا الدعاء من تكرار أخيه دواود له، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”كان من دعاء داود يقول:اللهم إنى أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذى يبلغنى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى، ومن الماء البارد”.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم:”اللهم إنى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لى وترحمنى، وإذا أردت فتنة قوم فتوفنى غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك”.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو:”اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلي، وخشيتك أخوف الأشياء عندي، واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك، وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم، فأقرر عيني من عبادتك”.
ويزداد هذا الحب والشوق يوما وراء يوم، وساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة فتراه يقول كما في المسند عند أحمد:” اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق؛ أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك”.
ولما كان الشوق يزداد يوما بع يوم، كانت أمنية اللقاء تكبر ساعة بعد ساعة، ولهذا لما جاءه صلى الله عليه وسلم التخيير بين الرفيق الأعلى والخلد في الدنيا؛ كان لقاؤه بربه أحب، وقال- كما عند البخاري-:”اللهم الرفيق الأعلى”.