علاقة المصطفى بربه (4) عبادة تقوي الحب وتزيده

عبادة تقوي الحب وتزيده

د: أكرم كساب

الحب الصادق لا بد أن يترجم إلى موافقة المحبوب فيما يريد، وإلا كان إدعاء. قال الفضيل: يقول الله عز وجل: كذب من ادعى محبتي، فإذا جنه الليل نام عني، أليس كل حبيب يحب الخلوة بحبيبه، ها أنا مطلع على أحبابي إذا جنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم، ومثلت نفسي بين أعينهم، فخاطبوني على المشاهدة، وكلموني على حضوري، غدا أقر عين أحبابي في جنتي:

تنام عيناك وتشكو الهوى     لو كنت صبا لم تكن نائما

قلوب المحبين جمرة تحت فحمة الليل، كلما هب عليها نسيم السحر التهبت.

وقد كان حب النبي صلى الله عليه وسلم لربه حبا صادقا، ترجمته العبادة والذكر، وكانت عبادته صلى الله عليه وسلم  لربه سبحانه تقوي الحب إذا خفت، وتزيده إذا قلّ، لذا رأيناه صلى الله عليه وسلم  يقول: ” حُبب إليّ الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة”.(رواه أحمد).

وكان صلى الله عليه وسلم  إذا حضرت الصلاة قال:”أرحنا بها يا بلال” (رواه أبو داود). إن الحب الصادق لا بد أن يترجم إلى موافقة المحبوب فيما يريد، وإلا كان إدعاء.

ولقد دفع هذا الحب رسول صلى الله عليه وسلم  أن يستعذب الألم الذين يلقاه في عبادته، فإذا صلى أطال صلاته حتى يشفق عليه من يراه، إنه يقوم حتى تتورم قدماه فإذا سئل من كثرة القيام مع مغفرة ربه قال: “أفلا أكون عبدا شكورا”. (متفق عليه).

وهذا حذيفة رضي الله عنه يصور لنا حادثة وقعت له مع النبي صلى الله عليه وسلم، صلى فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم قيام ليلة، استصعب فيها حذيفة الأمر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم استعذبه، فعن حذيفة أنه: صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فلما دخل في الصلاة قال:” الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة” قال: ثم قرأ البقرة، ثم ركع، وكان ركوعه نحوا من قيامه، وكان يقول: سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه، فكان قيامه نحوا من ركوعه، وكان يقول: لربي الحمد، لربي الحمد، ثم سجد، فكان سجوده نحوا من قيامه، وكان يقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه فكان ما بين السجدتين نحوا من السجود، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، قال: حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام. (رواه أحمد).

أرأيت مثل هذا الأمر؟! إنه صلى الله عليه وسلم يقرأ السبع الطوال، مبتدأ بالبقرة ومنتهيا بالأنفال والتوبة، مرورا بآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف.

نعم هكذا كانت صلاته؛ طولا وخشوعا، وتذللا وخضوعا، ورقة وتبتلا.

وأما صومه فكان محبا له غاية الحب، حتى إنه ليواصل اليوم باليوم، واليومين، وينهى أصحابه عن الوصال فيقولون: إنك تواصل يا رسول الله فيقول:”إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقين”.(متفق عليه).

وهكذا حجه… وكل عبادة من العبادات إنما كانت تقوي الحب وتزيده..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*