معرفة أثمرت الخوف
د: أكرم كساب
وقد أثمرت معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بربه خوفا وهيبة، فكان صلى الله عليه وسلم في عبادته يخشاه كل الخشية، ويخافه كل الخوف.
وقد قيل: ما فارق الخوف قلباً إلا خَرِب.
وقال آخر: إذا سكن الخوفُ القلوبَ أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في دعائه: ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقيل له: يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال صلى الله عليه وسلم: ” نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها كيف شاء “.( رواه أحمد).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أقسم قال: ” لا ومقلب القلوب “.(رواه البخاري).
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أذا رأى غيما أو ريحا عرف الخوف في وجهه، تقول عائشة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيما أو ريحا عرف الخوف ذلك في وجهه فقلت: يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، ورجوا أن يكون فيه مطر، وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهة، فقال:” يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، وقد عذب قوم بالريح”(متفق عليه).
ولما زار عبد الله بن الشخير رسول الله وصفه فقال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل. ( رواه أحمد).
وما أجمل ما قصّه لنا عطاء فيقول: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا! فقال: أقول يا أمّه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا. قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: “يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي” قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض. فجاء بلال يؤذنه بالصلاة. فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال:” أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت عليّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، { إن في خلق السموات والأرض } الآية كلها.(رواه ابن حبان).
ولقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص ألا يسبقه أحد في هذا الخوف أو هذه الخشية، ولما همّ بعض الصحابة بترك بعض المباحات رجاء خشية الله قال صلى الله عليه وسلم:”أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له….”( متفق عليه).
وكان خوفه صلى الله عليه وسلم من ربه يترقى به حتى إنه ليخاف أن يسيء إلى مشرك فيناله عقاب الله، فعن عطاء، قال: كان سهيل بن عمرو رجلا أعلم من شفته السفلى، فقال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أسر ببدر: يا رسول الله، انزع ثنيتيه السفليين فيدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا بموطن أبدا، فقال: لا أمثل، فيمثل الله بي”. (البداية والنهاية/ ج3/ ص311).