علاقة المصطفى بربه (6) في العبادة سعادة

في العبادة سعادة

د: أكرم كساب

ولم يكن رسول الله يتململ من هذه العبادة التي يقوم بها لربه؛ وإنما كان يشعر بفيض من السعادة يغمر قلبه، وهو يعلمنا أن السعادة في كل أنواع العبادات التي يقوم بها العبد. روى البخاري ومسلم عن الأسود بن قيس سمعت جندبا يقول: بينما النبي صلى الله عليه و سلم يمشي إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه فقال:” هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت”.

ومن ذلك، أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف وحدث سادتها من بني عمرو، كان بنو عمرو لئامًا، فلم يكتموا خبر الرسول صلى الله عليه وسلم بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويرمون عراقيبه بالحجارة، حتى دمت عقباه وتلطخت نعلاه، وسال دمه الزكي على أرض الطائف… هنا توجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه بهذا الدعاء الذي يفيض إيمانًا ويقينًا، ورضى بما ناله في الله، واسترضاء لله: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرفت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله”. تاريخ الطبري (1/554).

إن الناظر لهذا كله يدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستعذب هذه الطاعة، ويتذوق حلاوتها، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم:” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان..” متفق عليه.

وعن عبد الله بن معاوية الغاضري من غاضرة قيس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:” ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان؛ من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره”. رواه أبو داوود.

وقد ذكر ابن القيم قوله صلى الله عليه وسلم:” ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا” رواه مسلم ، وقوله:” من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا. غفر له ذنبه” رواه مسلم ، ثم قال: وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين، وإليهما ينتهي. وقد تضمنا الرضى بربوبيته سبحانه، وألوهيته، والرضى برسوله والانقياد له، والرضى بدينه والتسليم له، ومن اجتمعت له هذه الأربعة: فهو الصديق حقا. وهي سهلة بالدعوى واللسان، وهي من أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان، ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها. من ذلك تبين أن الرضى كان لسانه به ناطقا فهو على لسانه لا على حاله. مدارج السالكين/ ج 2 / ص 172).

إن فرقا كبيرا بين من يأتي بالعبادة على كره، ويتمنى الفراغ منها على عجل. ومن يأتي بها متلذذا بها، فرحا بوجودها، حريصا على استمرارها وبقائها…. وهذا هو محمد صلى الله عليه وسلم…

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*