علاقة مستمرة
د: أكرم كساب
نعم لقد كانت عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستمرة لا تنقطع، ولما لا؛ وقد قال له ربه:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} {99}.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم له في كل حركة ذكر، وفي كل عمل دعاء، حتى عند نومه، وعند أرقه وعند استيقاظه.
لقد حلت العبادة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم فأحالته قلبا ربانيا، مما جعل هذه الربانية تفوح على لسانه ذكرا دائما لله ربه، فإذا خلد من ومه أو استيقظ فله دعاء وذكر. وإذا خلع ثيابه أو لبس فله دعاء وذكر. وإذا دخل الخلاء أو خرج فله دعاء وذكر…. وهكذا.
وإن من أهم مميزات الإسلام أنه دين عبادة مستمرة وطاعة دائمة، ولا تنتهي العبادة فيه بانتهاء شعيرة، أو الفراغ من فريضة، بل العبادة مستمرة مع الإنسان من لحظة تكليفه، إلى لحظة تكفينه، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ] وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[( الحجر: 99).
بل العبودية – كما يؤكد ابن القيم- تستمر بعد الممات: بل عليه في البرزخ عبودية لما يسأله الملكان: من كان يعبد؟ وما يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلتمسان منه الإجابة.
وعليه عبودية أخرى يوم القيامة، يوم يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود فيسجد المؤمنون ويبقى الكفار والمنافقون فلا يستطيعون السجود، فإذا دخلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف هناك وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحاً مقروناً بأنفاسهم لا يجدون له تعباً ولا نصباً. (تهذيب مدراج السالكين / ص 81).
ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من انقطاع العمل ويوضح أن: ” أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل “(متفق عليه).
وحين دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة ـ رضي الله عنها ـ ووجد عندها امرأة سأل:” من هذه؟ قالت: فلانة؛ تذكر من صلاتها، قال: مه عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، قالت عائشة: وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه”(متفق عليه).
وقد رأيناه النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من هذا التشدد الذي قد يفضي إلى الانقطاع فيقول:” لكل عمل شرّة، ولكل شرّة فترة فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك” رواه أحمد.
ولهذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يقول:” إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق” رواه أحمد. قال صاحب (عمدة القاري) في شرح صحيح البخاري: وكأنه عليه السلام خاطب مسافرا يقطع طريقه إلى مقصده، فنبهه على أوقات نشاطه التي ترك فيها عمله، لأن هذه الأوقات أفضل أوقات المسافر، والمسافر إذا سار الليل والنهار جميعا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة. وقال الخطابي: معناه الأمر بالاقتصاد في العبادة، أي لا تستوعبوا الأيام ولا الليالي كلها بها؛ بل أخلطوا طرف الليل بطرف النهار، وأجمعوا أنفسكم فيما بينهما، لئلا ينقطع بكم.
ولهذا استمر النبي صلى الله عليه وسلم في عبادته لربه طيلة حياته، ولم يمتنع عنها حتى وهو يطالع سكراته الموت، وكان من آخر ما قال:” لا إله إلا الله إن للموت لسكرات” رواه الطبراني في الكبير.