توسط وتوازن في العبادة
د: أكرم كساب
ومع هذا لم تكن عبادته صلى الله عليه وسلم لربه لتطغى على حق من حقوق الآخرين، وإنما كان يعطي كل ذي حق حقه، وانظر إلى ما قاله للثلاثة رهط الذي جاءوا إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألوهن عن عبادة النبي:”… أيها الناس! إنما أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”. متفق عليه.
ولهذا عاتب عبد الله بن عمرو حين علم تضيعه لحقوق الآخرين بسبب عبادته، وأمره بالتوسط والاعتدال ثم قال له:” فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا”. متفق عليه.
وهو كذلك ما فعله مع سعد بن أبي وقاص، يقول سعد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتدَّ بي، فقلتُ: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفاتصدَّق بثلثي مالي؟ قال: “لا”. قلتُ: بالشَّطر؟ فقال: “لا”. ثم قال: “الثلث، والثلث كبير”. متفق عليه
وهو ما فعله مع رجل يسمى: أبا إسرائيل، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه”. رواه البخاري.
ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم من المرء أن يلزم نفسه طاعة لم تفرض عليه، فنهى عن النذر وقال:” لا تنذروا؛ فإن النذر لا يغني عن القدر شيئا وإنما يستخرج من البخيل” رواه مسلم.
وحين بالغت زينب في صلاتها واتخذت حبلا تتعلق به إذا فترت، قال:” حلّوه ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد”. متفق عليه.
ولكي يوازن النبي صلى الله عليه وسلم بين متطلبات الروح والجسد نهى صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الوصال؛ وإن كان هو يواصل، وقال لهم:” إنما أبيت يطعمني ربي ويسقيني”. متفق عليه.
ومن هذا التوازن أيضا أنه راعى صلى الله عليه وسلم أيام الأعياد؛ التي أيام فرح وأنس وسعادة فنهى عن صيامها، عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر”. رواه مسلم.
ولهذا عنّف النبي صلى الله عليه وسلم معاذا حين أطال صلاته وشغل الناس عن أعمالهم، فعن جابر قال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله؛ ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء، ثم أتي فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: “يا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا”. متفق عليه.