فتاوى الصلاة (1) فضل صلاة الجماعة وحكمها، وهل من تركها عصى الرسول ص؟

فضل صلاة الجماعة وحكمها، وهل من تركها عصى الرسول صلى الله عليه وسلم؟

  1. السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: زوجي حريص على الصلاة والحمد لله، لكنه لا يصلي في المسجد، وأريد أن أشجعه على ذلك، وأريد أن أخبره بهذا الفضل العظيم، ومشكورا كيف أرغبه في هذا الفضل؟ وهل إن صلى في البيت يكون قد عصى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنني لما قلت له ذلك غضب مني؟ بارك الله فيكم…

ملخص الفتوى:

دعت الشريعة إلى صلاة الجماعة وحثت عليها ورغبت فيها، وكتب السنة مليئة بذلك،  ومن ذلك، أنها سبب في الدخول في ظل الرحمن، وبها يزيد الأجر عن صلاة الفرد بــ 27 درجة، ويفوز مؤديها بمنزل في الجنة، وتعدل قيام الليل، وسبب لمغفرة، وتعطي الأجر صاحبها النور يوم القيامة، وعطي أجر حجة، كما أنها تحقق لصاحبها الدخول في دائرة الإيمان كبير الثواب، وقد اختلف العلماء في فحكمها، فقيل واجب عيني، وقيل كفائي، وقيل سنة، والراجح أنها فرض كفاية. وعليه فمن ترك صلاة الجماعة في المسجد فليس عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن عليه ألا يعتاد ذلك لأنه يحرم الخير الكثير.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد،

فأسأل الله سبحانه أن يبارك في الأخت وفي زوجها وأن يؤلف بين قلبيهما، وأن يعينهما الله وكل المسلمين والمسلمات على الطاعة، وأقول وبالله التوفيق:

لقد دعت الشريعة إلى صلاة الجماعة وحثت عليها ورغبت فيها، وكتب السنة مليئة بذلك، وسأذكر للأخت السائلة وللقارئ بعض فضائل صلاة الجماعة، ومن أراد المزيد فليراجع كتب السنة:

  • صلاة الجماعة سبب في الدخول في ظل الرحمن: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ”
  • الزيادة في الأجر عن صلاة الفرد بــ 27 درجة: روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
  • الفوز بمنزل في الجنة: روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».
  • صلاة الجماعة تعدل قيام الليل: روى مسلم عن عُثْمَان بْنُ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ».
  • صلاة الجماعة سبب لمغفرة: روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
  • صلاة الجماعة تعطي النور التام يوم القيامة: روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه أبو داود في الصلاة (561) وصححه الألباني صحيح الترغيب (315).
  • صلاة الجماعة تعطي أجر حجة: روى داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» (رواه أبو داود في الصلاة (558) وحسنه الألباني صحيح الترغيب (320).
  • الدخول في دائرة الإيمان وتحقق كبير الثواب: روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ.

حكم صلاة الجماعة:

وأما حكم صلاة الجماعة يمكن تلخيصه في قولين:

الأول: الوجوب العيني:

وبه قال عطاء والأوزاعي وأبو ثور، وهو مذهب أحمد وابن حزم واختاره ابن تيمية… (المغنى (2/ 176)، والمحلى (4/ 188)، ومجموع الفتاوى (23/ 239). وأما أدلة هؤلاء فملخصها:

  • حملوا كل أمر في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب مثل:
    • قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة: 43].
    • ما ورد في الصحيحين عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
    • ما رواه مسلم حيث قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعمى الذي طلب رخصة للصلاة في بيته: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ».

الثاني: عدم الوجوب العيني:

وهو ما عليه الجمهور: أبو حنيفة ومالك والشافعي، وفيه قولان:

  • صلاة الجماعة سنة: وبه قال أبو حنيفة ومالك.
  • واجب كفائي: وبه قال الشافعي… (البدائع (1/ 155)، والخرشي (2/ 16)، والمجموع (4/ 184).

وقد ردوا على أدلة الفريق الأول، واستدلوا على قولهم بأدلة منها:

  • ما رواه الشيخان: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وقالوا: لو كانت واجبة لما قال (أفضل).
  • روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، الثُّومِ – وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ”، فلو كانت واجبة على الأعيان ما أمر بتركها.
  • إقرار النبي من صلى في رحله على فعله، روى الترمذي عن جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «…. إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
  • الراجح:

والذي أراه راجحا هو ما ذهب إليه الشافعي أنها فرض كفائي، وبهذا يجمع بين أدلة الطرفين دون إهمال، وبهذا تكون الجماعة قائمة في المساجد، ولا يشعر المرء بالإثم إن صلى في غير المسجد، وإنما يفوته الفضل العظيم الذي ذكرته السنة.

من ترك صلاة الجماعة في السجد ليس عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم:

ولا يمكن القول بأن من ترك صلاة الجماعة في المسجد عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه وإن ترك خيرا كبيرا إلا أنه ربما يحمل فعله على من قال بأن صلاة الجماعة سنة، ولكني أقول للأخ الكريم استعن بالله واذهب للمسجد على قدر طاقتك، ولا تعتاد ترك الجماعة، ففي المشي إلى المسجد خير، وفي صلاتك مع إخوانك خير، وفي مكثك في المسجد خير، وقد تنعم بصحة صالحة أو دعوة صادقة أو فعل خير تجد أثره في الدنيا وفي الآخرة.

زادك الله حرصا أيتها الأخت واستمري في دعوة زوجك واصبري عليه:

        وأنت أيتها الأخت الكريمة، فزادك الله حرصا، وبارك الله فيك، ونفع الله بك، ونصيحي أن تأخذي بيد زوجك إلى هذه الطاعة بالحسنى، وليكن طريقك هو الترغيب بما ذكرته لك من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان لك إخوة أو أقارب حريصين على الجماعة فأخبريهم أن يصطحبوه، ومن الممكن أن ترسلي له بطريقة غير مباشرة مثل هذه الفتوى، أو بعض المحاضرات أو الدروس التي تدعو إلى الحرص على الجماعة في المسجد، وابتعدي عن كل من يجعل القول في هذه المسألة قولا واحدا، سواء كان الوجوب أو السنية…

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*