فتاوى الصلاة (12)جمع الصلوات في السفر

جمع الصلوات في السفر

  1. ما حكم جمع الصلوات في السفر، حيث كنا على سفر فقال أحد الناس: إن السفر رخصة لجمع الصلاة، إنما الجمع في الحج فقط، فهل كلامه صحيح؟

ملخص الفتوى:

جمع الصلوات في السفر مما اختلف فيه العلماء، وهم في ذلك على قولين مشهورين: القول الأول: جواز الجمع، وهو قول الجمهور، القول الثاني: عدم الجمع، وهو قول أبي حنيفة وغيره، والراجح هو جواز قصر الصلاة في السفر، وهي صدقة تصدق بها الله علينا، فمن شاء فعل ولا يلوم غيره، ومن شاء ترك ولا يُخطئ سواه.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛؛؛

جمع الصلوات في السفر مما اختلف فيه العلماء، وهم في ذلك على قولين مشهورين:

القول الأول: جواز الجمع، وهو قول الجمهور، فقد ذهب الشافعية والحنابلة بسبب السفر الطويل… أما المالكية فلا يشترط للجمع في السفر عندهم طول مسافة السفر أو قصرها… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 284). واستدل هؤلاء بما يلي:

  • قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101].
  • ما رواه البخاري ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.
  • ما رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ».
  • ما رواه مسلم عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا».
  • ما رواه البخاري عن أبي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالهَاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ».

القول الثاني: عدم الجمع، وهو قول أبي حنيفة وغيره حيث قالوا: لا يجوز الجمع للمسافر لا تقديما ولا تأخيرا… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 286). واستدل هؤلاء أيضا بأدلة منها:

  • ما جاء في المحافظة على الصلاة في أوقاتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
  • ما رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاَةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا، إِلَّا صَلاَتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعشاء.
  • تأولوا ما جاء من أدلة عند الجمهور تأولها أبو حنيفة ومن معه بأنه لم يكن جمعا حقيقيا، وإنما كان جمعا صوريا.
  • واحتجوا بأن مواقيت الصلاة ثبتت بالتواتر وأحاديث الجمع آحاد فلا يجوز ترك المتواتر بخبر الواحد… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 286).

الراجح:

والراجح هو جواز قصر الصلاة في السفر، وهي صدقة تصدق بها الله علينا كما ثبت في حديث مسلم عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتُ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».

وأما حديث ابن مسعود والذي هو حجة عند أبي حنيفة ومن معه؛ فقد جاوب عنه النووي فقال: وقد يحتج أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث على منع الجمع بين الصلاتين في السفر لأن بن مسعود من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر أنه ما رآه يجمع إلا في هذه المسألة، ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز الجمع في جميع الأسفار المباحة التي يجوز فيها القصر… والجواب عن هذا الحديث:

  • أنه مفهوم، وهم لا يقولون به ونحن نقول بالمفهوم، ولكن إذا عارضه منطوق قدمناه على المفهوم.
  • وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع، ثم هو متروك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات والله أعلم… (شرح النووي على مسلم (9/ 37).

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*