أيهما أفضل في السفر الجمع والقصر أم القصر دون الجمع
- السؤال أيهما أفصل في السفر الجمع والقصر أم القصر دون الجمع؟ فقد كنا في سفر وقال البعض بأننا لسنا في تعب يستحق الجمع وقالوا ترك الجمع أفضل؟
ملخص الفتوى:
اتفق الفقهاء على أن جمع الصلاة في الحج (عرفة ومزدلفة)، أفضل وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما الجمع في غير الحج ففيه أقوال: فقيل: لا جمع أصلا، وقيل: الترك أفضل، وقيل: الجمع أفضل، والذي يترجح لي هو الجمع بين الأمرين، وهو الجمع حينا والترك حيانا آخر، على أن يكون الترك أكثر، فيكون الترك اقتداء به صلى الله عليه وسلم في كثرة تركه، ويكون الفعل من باب الأخذ برخص الله التي أكرمنا بها، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم أيضا حيث ترك.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
فقد ذكرت في فتوى سابقة بأن جمع الصلاة رخصة وعلى ذلك جمهور أهل العلم (المالكية والشافعية والحنابلة)… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 284). واستدل هؤلاء بأدلة منها: قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]، وما رواه البخاري ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.
وقد اختلف العلماء في أيهما أفضل للمسافر: الجمع أم تركه؟
جمع الصلاة في الحج (عرفة ومزدلفة) أفضل:
أما الجمع في عرفة والمزدلفة فالجمهور على أنه أفضل وذلك لفعل النبي صلى اله عليه وسلم، وذلك على قول من قال بأن الجمع كان للسفر لا للنسك. وحتى أبو حنيفة قال بذلك على الرغم من أنه لا يجيز الجمع، غير أنه قال بأن الجمع للحج لا للسفر.
الجمع في غير الحج:
أما الجمع في غير الحج ففيه أقوال:
القول الأول: لا جمع أصلا، وهو قول الحنفية.. (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 286). وذلك لما جاء في المحافظة على الصلاة في أوقاتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وما رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاَةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا، إِلَّا صَلاَتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعشاء.
القول الثاني: الترك أفضل، وبه قال الشافعية، والحنابلة، قال النووي: قال الغزالي في البسيط والمتولي في التتمة وغيرهما الأفضل ترك الجمع بين الصلاتين ويصلي كل صلاة في وقتها قال الغزالي لا خلاف أن ترك الجمع أفضل بخلاف القصر قال والمتبع في الفضيلة الخروج من الخلاف في المسألتين يعني خلاف أبي حنيفة وغيره ممن أوجب القصر وأبطل الجمع وقال المتولي ترك الجمع أفضل لأن فيه إخلاء وقت العبادة من العبادة… (المجموع شرح المهذب (4/ 378). وقال البهوتي: (وتركه) أي: الجمع (أفضل) من فعله، خروجا من الخلاف (غير جمعي عرفة ومزدلفة) فيسن بشرطه أن يجمع بين الظهر والعصر تقديما. وفي مزدلفة بين المغرب والعشاء تأخيرا أما مكي ومن نوى إقامة بمكة فوق أربعة أيام فلا يجمع بهما لأنه ليس بمسافر سفر قصر… (شرح منتهى الإرادات (1/ 298).
القول الثالث: الجمع أفضل، وهذا مبني على قبول رخص الله تعالى، وأن ذلك مما يحبه سبحانه، روى أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ” (رواه أحمد (5866) وقال محققو المسند: حديث صحيح)، وفي رواية عند البيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ » (رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 140) حسنه الألباني في صحيح الجامع (2766). ويفهم هذا من تبويب ابن حبان في صحيحه حيث قال: (ذكر الإخبار بأن على المرء قبول رخصة الله له في طاعته دون التحمل على النفس ما يشق عليها حمله)، وقد بوَّب عليه ابن حبان بقوله: ذكر استحباب قبول رخصة الله؛ إذ الله جل وعلا يحب قبولها.
الراجح:
والذي يترجح لي هو الجمع بين الأمرين، وهو الجمع حينا والترك حيانا آخر، على أن يكون الترك أكثر، فيكون الترك اقتداء به صلى الله عليه وسلم في كثرة تركه، ويكون الفعل من باب الأخذ برخص الله التي أكرمنا بها، ولابن تيمية كلام طيب في هذا حيث يقول: وهذا بخلاف الجمع بين الصلاتين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يفعله إلا مرات قليلة، فإنهم يستحبون تركه إلا عند الحاجة إليه؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حين جد به السير… (القواعد النورانية (ص: 130).
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
