الجمع بدون عذر
- هل يجوز لنا جمع الصلاة بدون عذر، فلا مطر ولا سفر ولا مرض ولا خوف؟ علما بأني أفعل ذلك أحيانا يعني ليس عادة، أفيدنا بارك الله فيكم.
ملخص الفتوى:
المحافظة على الصلوات في أوقاتها أمر واجب، وقد عُدّ الجمع بين الصلوات من غير عذر من الكبائر، كما لا يخفى أن الجمع صورة من صور إضاعة الصلاة ونسيانها التي حذر الله منها، والقول بالجمع بين الصلوات في الحضر دون عذر قال به بعض الفقهاء، وهو قول معتبر على ألا تكون عادة لفاعلها…
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
من المعلوم أن المحافظة على الصلوات في أوقاتها أمر واجب، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وأما الجمع فلم يقل به العلماء إلا لوجود دليل فيما ذهبوا إليه.
ولذلك عُدّ الجمع بين الصلوات -إذا اعتاد عليه المرء- من غير عذر من الكبائر، روى ذلك ابن أبي شيبة عَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ.. (مصنف ابن أبي شيبة (2/ 212)، كما رواه عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ.. (مصنف ابن أبي شيبة (2/ 212)
كما روى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ”، (السنن الكبرى للبيهقي (3/ 241)، وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ» (قال الألباني: ضعيف جدا (السلسلة الضعيفة (4581).
كما لا يخفى أن الجمع صورة من صور إضاعة الصلاة ونسيانها التي حذر الله منها، والله تعالى قال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
القول بالجمع لغير عذر في الحضر قال به بعض الفقهاء:
غير أن القول بالجمع بين الصلوات في الحضر دون عذر قال به بعض الفقهاء، قال ابن المنذر: وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين في الحضر مباح وإن لم تكن علة… (الأوسط لابن المنذر (3/ 135). وقال النووي: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول بن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره بن المنذر… (شرح النووي على مسلم (5/ 219). وقال ابن رشد: وأما الجمع في الحضر لغير عذر، فإن مالكا وأكثر الفقهاء لا يجيزونه، وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر وأشهب من أصحاب مالك… (بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 184).
أدلة القائلين بجواز الجمع في الحضر دون عذر:
وعمدة أصحاب هذا القول هو حديث ابن عباس الذي رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا، لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ.
قال ابن المنذر: قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين بالمدينة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بينهما في المطر، ولو كان ذلك في حال المطر لأدي إلينا ذلك كما أدي إلينا جمعه بين الصلاتين، بل قد ثبت عن ابن عباس الراوي لحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر لما سئل لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ثم قد روينا مع ذلك عن ابن عباس نفي العلة التي توهمها بعض الناس… (الأوسط لابن المنذر (3/ 135).
القول بالجواز مشروط بعدم اتخاذه عادة:
والقول بجواز الجمع في الحضر لغير عذر هو قول معتبر على ألا تكون عادة لفاعلها، وهذا ما ذهب إليه النووي في شرحه لحديث ابن عباس، فقد استبعد كل الأقوال التي جعلت الجمع لعذر أو جمعا صوريا؛ ثم قال: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة… (شرح النووي على مسلم (5/ 219).
ولذلك فلا مانع من الجمع في الحضر دون سفر أو مرض أو مطر أو عذر على ألا يتخذ ذلك عادة..
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
