الموالاة في جمع التقديم وحكم صلاة الجنازة بين صلاتين مجموعتين
- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مولانا الكريم، لنا سؤال كنا مجموعة من الشباب، وكنا على سفر وأردنا جمع صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم، فلما صلينا وجدنا الناس يقدمون جنازة للصلاة عليها، فماذا نفعل في هذه الحال؟ هل نصلي العصر حتى تتحقق الموالاة أم نصلي الجنازة ثم نصلي العصر؟
ملخص الفتوى:
لجمع الصلوات شروط، ومنها الموالاة، ويقصد بها أن يأتي المصلي بالصلاتين الأولى والثانية بزمن طويل، وقد اختلف الفقهاء في الموالاة، والجمهور على اشتراط الموالاة في جمع التقديم، وهذا هو الراجح، ولا مانع من صلاة الجنازة بين الصلاتين المجموعتين، سواء كان ذللك جمع تقديم أو جمع تأخير، وحتى على اشتراط الجمهور أن الموالاة شرط؛ لأن ترك الموالاة له سبب كما لو احتاج إلى وضوء، وهو كذلك جائز على قول من قال بأن الموالاة ليست شرطا في جمع التقديم ولا في جمع التأخير.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
فلا شك أن الجمع بين الصلوات رخصة، وهذا الجمع له شروط يؤتى على وفقها، ومن هذه الشروط: الموالاة، وقد اختلف الفقهاء في اشتراطها، وسأبين ذلك على هذا النحو:
مفهوم الموالاة بين الصلاتين المجموعتين:
يقصد بالموالاة: أن يأتي المصلي بالصلاتين الأولى والثانية بزمن طويل، جاء في (الموسوعة الفقهية): ثالثها: الموالاة بين الصلاتين وهي أن لا يفصل بينهما زمن طويله… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 287).
ماذا في الفصل اليسير؛ وما مقداره؟
وأما الفصل اليسير فلا شيء فيه لأنه ربما لا يقدر عليه، جاء في (حاشيتا قليوبي وعميرة): ولا يضر فصل يسير ويعرف طوله) وقصره (بالعرف)… (حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 306)، وجاء في (زاد المستقنع): وفلا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء “خفيف” ويبطل براتبة بينهما… (زاد المستقنع في اختصار المقنع/ 59)، وجاء في (الموسوعة الفقهية): أما الفصل اليسير فلا يضر؛ لأن من العسير التحرز منه… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 287).
وهذا الطول متروك للعرف، ويستثنى من ذلك ما كان لحاجة كما لو احتاج لقضاء حاجة ووضوء. قال ابن قدامة: وإن كان يسيرا لم يمنع، لأنه لا يمكن التحرز منه، والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة، لا حد له سوى ذلك، وقدره بعض أصحابنا بقدر الإقامة والوضوء… (المغني لابن قدامة (2/ 206).
وأرى أننا لو اعتمدنا قول الفقهاء بأن الفصل اليسر متروك للعرف، وأن ذلك يكون بمقدار وضوء وركعتين، فهذا يكون نحو 5- 7 دقائق، ولا يزيد عن الـ 10 دقائق.
سبب الخلاف في الموالاة:
والذي أراه أن سبب الخلاف يعود إلى:
- التيسير الحاصل بالجمع، فمن رأى التيسير حاصل بتقديم الثانية إل وقت الأولى اشترط الموالاة، وبمجرد تقديمها حصل التيسير، فلا داعي للتباطؤ، ورأى آخرون أن في الموالاة نفي للتيسير الذي من أجله شرع الجمع. قال ابن تيمية: ولأن مراعاة ذلك -الموالاة- يسقط مقصود الرخصة، وهو شبيه بقول من حمل الجمع على الجمع بالفعل وهو أن يسلم من الأولى في آخر وقتها ويحرم بالثانية في أول وقتها كما تأول جمعه على ذلك طائفة من العلماء أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ومراعاة هذا من أصعب الأشياء وأشقها؛ فإنه يريد أن يبتدئ فيها إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات أو ثلاث في المغرب ويريد مع ذلك ألا يطيلها وإن كان بنية الإطالة تشرع في الوقت الذي يحتمل ذلك وإذا دخل في الصلاة ثم بدا له أن يطيلها أو أن ينتظر أحدا ليحصل الركوع والجماعة لم يشرع ذلك ويجتهد في أن يسلم قبل خروج الوقت ومعلوم أن مراعاة هذا من أصعب الأشياء علما وعملا وهو يشغل قلب المصلي عن مقصود الصلاة والجمع شرع رخصة ودفعا للحرج عن الأمة فكيف لا يشرع إلا مع حرج شديد ومع ما ينقض مقصود الصلاة… (مجموع الفتاوى (24/ 54).
- مفهوم الجمع؛ إذ للجمع مفهومين:
- ضم فعل، ومعناه أن يضم فعل الصلاة الثانية إلى الأولى أو العكس، حتى يكونا كصلاة واحدة، فلا يفرق بينهما إلا التسليم أو الوقت اليسير، قال النووي: لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجبت الموالاة كركعات الصلاة… المجموع شرح المهذب (4/ 375).
- ضم وقت، ومعناه امتداد الوقتين من أولى وقت الأولى إلى آخر وقت الثانية، وهذا يعني صحة الجمع ما دام الوقت ممتدا، فمن صلى العصر مع الظهر تقديما فلا مانع أن يصلي العصر وقتما شاء ما دام قد صلى الظهر وما دام وقت الظهر باقيا. ولذلك قال ابن قدامة في بيان حقيقة معنى الجمع واشتراط الموالاة: جاز التفريق؛ لأنه متى صلى الأولى فالثانية في وقتها، لا تخرج بتأخيرها عن كونها مؤداة…. (المغني لابن قدامة (2/ 206)..
- لا يوجد حد للموالاة لا في الشرع ولا في العرف، قال ابن تيمية: فإنه ليس لذلك حد في الشرع… (مجموع الفتاوى (24/ 54)
- فعل النبي صلى الله عليه وسلم:
- فبعضهم رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع مواليا، فاشترط الموالاة، ومن ذلك ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ… ووجه الدلالة في قول جابر (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا).
- وبعضهم رأى النبي جمع في أول الوقت، وجمع في آخر الوقت، وجمع في وسط الوقت، فاعتبر وقت الصلاة كله وقتا للجمع، قال ابن تيمية: والسنة جاءت بأوسع من هذا وهذا ولم تكلف الناس لا هذا ولا هذا والجمع جائز في الوقت المشترك فتارة يجمع في أول الوقت كما جمع بعرفة. وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع بمزدلفة وفي بعض أسفاره. وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين وقد يقعان معا في آخر وقت الأولى وقد يقعان معا في أول وقت الثانية وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا… (مجموع الفتاوى (24/ 56).
الجمهور على اشتراط الموالاة في جمع التقديم:
وقد ذهب الجمهور إلى اشتراط الموالاة في جمع التقديم، جاء في (الموسوعة الفقهية): قال جمهور الفقهاء (الحنفية في ظاهر الرواية والمالكية والشافعية والحنابلة): تشترط الموالاة في جمع التقديم بين الصلاتين بأن لا يفصل بينهما فاصل طويل لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجب الولاء كركعات الصلاة أي فلا يفرق بينهما كما لا يجوز أن يفرق بين الركعات في صلاة واحدة… (الموسوعة الفقهية الكويتية (39/ 244). وقال ابن قدامة: فإن جمع في وقت الأولى اعتبرت المواصلة بينهما، وهو أن لا يفرق بينهما إلا تفريقا يسيرا. فإن أطال الفصل بينهما بطل الجمع… (المغني لابن قدامة (2/ 206).
الراجح اشتراط الموالاة في جمع التقديم:
والذي أراه هو اشتراط الموالاة في جمع التقديم، وذلك لأمور:
- هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، روى مسلم عن جابر بن عبد الله: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ… ووجه الدلالة في قول جابر (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، قال ابن حجر الهيتمي: لأنه -أي الموالاة-المأثور… (تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 397).
- أن معنى الجمع لا يكون إلا بالموالاة، وإلى هذا أشار ابن قدامة فقال: لأن معنى الجمع المتابعة أو المقارنة، ولم تكن المتابعة فلم يبق إلا المقارنة، فإن فرق بينهما تفريقا كثيرا، بطل الجمع، سواء فرق بينهما لنوم أو سهو أو شغل أو قصد أو غير ذلك، لأن الشرط لا يثبت المشروط بدونه… (المغني لابن قدامة (2/ 206).
- ترك الرواتب، فلم يرد أن رسول الله صلى الرواتب بين المجموع من الصلوات، قال ابن حدر الهيتمي: ولهذا تركت الرواتب بينهما… (تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 397).
لا مانع من صلاة الجنازة بين الصلاتين المجموعتين:
وعلى ما سبق فلا مانع من صلاة الجنازة بين الصلاتين المجموعتين، سواء كان ذلك جمع تقديم أو جمع تأخير، وحتى على اشتراط الجمهور أن الموالاة شرط؛ لأن ترك الموالاة له سبب كما لو احتاج إلى وضوء، وهو كذلك جائز على قول من قال بأن الموالاة ليست شرطا في جمع التقديم ولا في جمع التأخير.
هذا؛ واالله تعالى أعلم.
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
