فتاوى الصلاة (19) حكم الموالاة في جمع التأخير

حكم الموالاة في جمع التأخير

 

  1. السؤال: السلام عليكم، كنا على سفر ولما حضرت صلاة المغرب قلنا سنأخذ برخصة الجمع، فلما صلينا المغرب قال أحد الإخوة: لا مانع من أن نؤخر العشاء قليلا وزعم بأن الموالاة ليست شرطا في جمع التأخير فهل هذا صحيح؟ أفتنا بارك الله فيك..

  ملخص الفتوى:

الجمهور لم يشترط الموالاة في جمع التأخير، ورأى بعض الفقهاء اشتراط الموالاة في جمع التأخير، والذي أراه راجحا هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو كون الموالاة في جمع التأخير ليست شرطا، وذلك لأنه المصلي صلى الصلاة الثانية في وقتها، ولورد التأخير في جمع التأخير كما في حديث أسامة بن زيد؛ وفيه: (ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ).

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛؛؛

فقد تقدم في فتوى سابقة أن الجمع بين الصلوات رخصة، وهذا الجمع له شروط يؤتى على وفقها، ومن هذه الشروط: الموالاة، ومفهوم الموالاة: أن لا يفصل بين الصلاتين زمن طويل… والعلماء على أن الفصل اليسير لا يضر؛ لأن من العسير التحرز منه… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 287). وهذا الطول متروك للعرف.

ويستثنى من ذلك ما كان لحاجة كما لو احتاج لقضاء حاجة ووضوء. قال ابن قدامة: وإن كان يسيرا لم يمنع، لأنه لا يمكن التحرز منه، والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة… (المغني لابن قدامة (2/ 206).

وسبقت الإشارة إلى أن سبب الخلاف:

  • معارضة الموالاة للتيسير الذي من المفترض أن بحصل بالجمع.
  • الاختلاف في مفهوم الجمع؛ هل هو ضم فعل، فتصبح الصلاتين كصلاة واحدة قال النووي: لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجبت الموالاة كركعات الصلاة… المجموع شرح المهذب (4/ 375). أما هو ضم وقت وبالتالي: جاز التفريق؛ لأنه متى صلى الأولى فالثانية في وقتها، لا تخرج بتأخيرها عن كونها مؤداة…. (المغني لابن قدامة (2/ 206).
  • لا يوجد حد للموالاة لا في الشرع ولا في العرف، قال ابن تيمية: فإنه ليس لذلك حد في الشرع… (مجموع الفتاوى (24/ 54)
  • فعل النبي صلى الله عليه وسلم: حيث جاء فعل الموالاة وتركه، ففعل الموالاة في حديث مسلم عن جابر بن عبد الله: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ… ووجه الدلالة في قول جابر (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، وتركها كما في حديث أسامة بن زيد رواه الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ فَقُلْتُ الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «الصَّلاَةُ أَمَامَكَ» فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى المَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ العِشَاءُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا….

الجمهور على عدم اشتراط الجمع في جمع التأخير:

والجمهور لم يشترط الموالاة في جمع التأخير، ورأى بعض الفقهاء اشتراط الموالاة في جمع التأخير، وهو قول عند الشافعية وعند الحنابلة، قال النووي: الموالاة ففيها طريقان: (الصحيح) منهما… أنها كلها مستحبة ليست بواجبة… والمذهب الأول واستدل له الشافعي والبيهقي وغيرهما بحديث أسامة ابن زيد رضي الله عنهما قال ” دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا “… (المجموع شرح المهذب (4/ 376). وقال ابن تيمية: وهذا وجه في مذهب الشافعي وأحمد ومعنى ذلك أنه إذا صلى الأولى وأخر الثانية أثم وإن كانت وقعت صحيحة؛ لأنه لم يكن له إذا أخر الأولى إلا أن يصلي الثانية معها فإذا لم يفعل ذلك كان بمنزلة أخرها إلى وقت الضرورة ويكون قد صلاها في وقتها مع الإثم… (مجموع الفتاوى (24/ 54).

أدلة الجمهور على عدة اشتراط المولاة:

ويرى الجمهور ذلك لأمور:

  • اعتبار معنى الجمع هو الضم، وليس الفعل. قال ابن قدامة: لأن الأولى بعد وقوعها صحيحة لا تبطل بشيء يوجد بعدها، والثانية لا تقع إلا في وقتها… (المغني لابن قدامة (2/ 206).
  • كون الصلاة الثانية تتم في وقتها، قال ابن قدامة: وإن جمع في وقت الثانية، جاز التفريق؛ لأنه متى صلى الأولى فالثانية في وقتها، لا تخرج بتأخيرها عن كونها مؤداة… (المغني لابن قدامة (2/ 206).
  • فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويفهم ذلك من جملة (ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ) روى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ فَقُلْتُ الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «الصَّلاَةُ أَمَامَكَ» فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى المَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ العِشَاءُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا….

ومعلوم أن إناخة كل واحد بعيره بعد الفراغ من الصلاة الأولى يأخذ وقتا، خصوصا مع كثرة العدد، وعدم تهيئة المكان في مزدلفة لا قديما ولا حديثا، بل ومع الترتيب والتنسيق لا شك أنه يأخذ وقتا، فبان أن الموالاة تصعب في هذا الأمر.

الراجح: الموالاة في جمع التأخير ليست شرطا، وفعلها أولى:

والذي أراه راجحا هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو كون الموالاة في جمع التأخير ليست شرطا، وهذا يعني صحة الصلاة حتى وإن تركت الموالاة، وذلك لأنه المصلي صلى الصلاة الثانية في وقتها، ولورد التأخير في جمع التأخير كما في حديث أسامة بن زيد؛ وفيه: (ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ)، وقد أحسن ابن تيمية حين قال: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية؛ فإنه ليس لذلك حد في الشرع ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة… (مجموع الفتاوى (24/ 54)، وقال: كلامه -أي ابن حنبل- يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت، وإن لم يصل إحداهما بالأخرى، كالجمع في وقت الثانية على المشهور من مذهبه ومذهب غيره، وأنه إذا صلى المغرب في أول وقتها والعشاء في آخر وقت المغرب – حيث يجوز له الجمع – جاز ذلك، وقد نص أيضا على نظير هذا فقال: إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس. وهذا نص منه على أن الجمع هو جمع في الوقت لا تشترط فيه المواصلة وقد تأول ذلك بعض أصحابه على قرب الفصل وهو خلاف النص… (مجموع الفتاوى (24/ 52).

لكن الأولى والأفضل هو عدم ترك وقت طويل، وإنما ليصل المرء ما استطاع إلى ذلك سبيلا ليخرج من الخلاف.

وعليه فمن نوى الجمع فصلى المغرب ثم فصل بينه وبين العشاء فصلاته صحيحة لأنها أتى بها في وقته، غير أن الأولى الموالاة بين الصلاتين.

هذا؛ واالله تعالى أعلم.

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*