فتاوى الصلاة (3) حكم تسوية الصفوف؟

حكم تسوية الصفوف؟

  1. السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… لاحظت في مسجدنا أن بعض الناس يتهاونون في تسوية الصفوف، وبعض يزعم أنها سنة، فهل تسوية الصفوف واجبا تبطل الصلاة بتركه، أم أنه سنة؟

ملخص الفتوى:

        فيقصد بتسوية الصفوف ألا يتقدم أحد المصلين على إخوانه، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بصف الصفوف ورصها ورغبت في ذلك، وهناك قولان مشهوران في تسوية الصفوف وسدّ الخلل، الاستحباب وهو قول الجمهور، وقيل الوجوب، وقال به عدد من الفقهاء، وهو الراجح، لأن الحديث أمرت بذلك، وليس هناك قرينة تصرف الأمر عن الوجوب. وصلاة من لم يسو الصفوف صحيحة مع الإثم.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد،

فأجيب على هذا السؤال مستعينا بالله تعالى على هذا النحو:

  • معنى تسوية الصفوف:

ويقصد بتسوية الصفوف ألا يتقدم أحد المصلين على إخوانه، لا بصدره ولا بقدمه ولا بشيء من جسده، (بحيث لا يتقدم بعض المصلين على البعض الآخر، ويعتدل القائمون في الصف على سمت واحد مع التراص، وهو تلاصق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب حتى لا يكون في الصف خلل ولا فرجة، ويستحب للإمام أن يأمر بذلك)… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 35).

ثقل هذه العبادة على الناس من القديم:

ويبدو أن الكثير يتساهل في هذه العبادة وتثقل على الآخرين، قال الصنعاني: وهو مما تساهل فيه الناس كما تساهلوا فيما يفيده… فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملئون الصف الأول لو قاموا فيه فإذا أقيمت الصلاة يتفرقون صفوفا على اثنين وعلى ثلاثة ونحوه… (سبل السلام (1/ 374). وجاء في (عون المعبود): أنه لا يتأخر بعض على بعض ولا يتقدم بعضه على بعض وعلى أنه يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه وركبته بركبته لكن اليوم تركت هذه السنة ولو فعلت اليوم لنفر الناس كالحمر الوحشية… (عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 256).

  • فضل تسوية الصفوف والحث عليها:

جاءت الشريعة الإسلامية بصف الصفوف ورصها ورغبت في ذلك، ما رواه الشيخان ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ”، وروى مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ»، وروى الشيخان عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»، وهو عند مسلم بطوله عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»، وقال النووي:  القداح بكسر القاف هي خشب السهام حين تنحت وتبرى… معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها… (شرح النووي على مسلم (4/ 157). وقال النووي: ومن السنن المهملة المغفول عنها تسوية الصفوف والتراص فيها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتولى فعل ذلك بنفسه، ويكثر التحريض عليه والأمر به… (إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (2/ 28).

ولا يخفى على أحد أن تسوية الصفوف وترتيبه ففه ما فيه من الجمال والنظام ما يدعو إلى الألفة، جاء في (طرح التثريب): ذكر العلماء في معنى إقامة الصف أمورا:

  • حصول الاستقامة والاعتدال ظاهر كما هو المطلوب باطنا.
  • لئلا يتخللهم الشيطان فيفسد صلاتهم بالوسوسة كما جاء في ذلك الحديث.
  • ما في ذلك من حسن الهيئة.
  • أن في ذلك تمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم فإذا تراصوا وسع جميعهم المسجد وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم.
  • أن لا يشغل بعضهما بعضا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلفين وإذا اصطفوا غابت وجوه بعضهم عن بعض وكثير من حركاتهم وإنما يلي بعضهم من بعض ظهوره… (طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 326).
  • حكم تسوية الصفوف:

هناك قولان مشهوران في تسوية الصفوف وسدّ الخلل:

  • القول الأول: الاستحباب:

وهو قول الجمهور، جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الجمهور إلى أنه يستحب تسوية الصفوف في صلاة الجماعة بحيث لا يتقدم بعض المصلين على البعض الآخر… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 35).

واعتبر هؤلاء كل ما جاء في الأمر بتسوية الصفوف وسد الخلل للندب لا للوجوب، ومن ذلك:

  • ما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ”.
  • ما رواه أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا، وَصَلَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، (رواه أحمد (57249) وقال محققو المسند: إسناده صحيح).
  • ما رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ”.
  • ما رواه مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».
  • القول الثاني: الوجوب:

ذهب بعض العلماء إلى وجوب تسوية الصفوف… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 36)، ومن هؤلاء:

  • البخاري: ويفهم هذا من تبويبه: (باب إثم من لم يتم الصفوف)، قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله “سووا صفوفكم” ومن عموم قوله:” صلوا كما رأيتموني أصلي” ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب… (فتح الباري لابن حجر (2/ 210).
  • ابن حجر: وفيه -أي حديث : «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»- من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام… (فتح الباري لابن حجر (2/ 207).
  • ابن تيمية، قال المرداوي: فالصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أن تسوية الصفوف سنة وظاهر كلام الشيخ تقي الدين وجوبه… (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 39).
  • الصنعاني، حيث قال: وهذه الأحاديث، والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك… (سبل السلام (1/ 374).
  • ابن حزم، فقد أشار إلى الحديث المتفق عليه “سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ”؛ قائلا: تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض؛ وما كان من الفرض فهو فرض… (المحلى بالآثار (2/ 375).

واستدل هؤلاء بالأحاديث السابقة اعتبروا الأمر في الأحاديث السابقة للوجوب لا للندب.، ومن هذه الأحاديث:

  • “وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ”.
  • «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
  • ” أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ”.
  • “سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ”.
  • «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».
  • الراجح:

والقول بالوجوب أميل إليه لأمور:

  • العمل بالأدلة التي جاءت بصيغة الأمر، وبخاصة أنه ليس من قرينة تصرفها عن الوجوب.
  • شدة التحذير في ترك هذا الأمر، النتيجة المترتبة على ترك التسوية كما في قوله: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
  • اعتبار ذلك ممن إقامة الصلاة، كما في حديث: “فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ”.
  • لأن ذلك يحقق روح الجماعة، ويربي الناس على النظام.
  • صلاة من لم يسو الصف صحيحة حتى عند من قال بالوجوب:

وأما صلاة من لم يسو الصفوف فلا شك في صحتها، وذلك لاختلاف الجهتين، إذ ليس من شروط الصلاة إتمام الصفوف، وقد روى البخاري عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَدِمَ المَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ»؛ علّق ابن حجر قائلا: فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وأفرط بن حزم فجزم بالبطلان… (فتح الباري لابن حجر (2/ 210).

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*