جمع الصلاة رخصة أم سنة؟
- السؤال: السلام عليكم؛ بارك الله فيك لي سؤال: هل جمع الصلاة رخصة يلجأ لها المرء عند الضرورة أم سنة نبوية الأفضل الإتيان بها؟ نرجو الإجابة بوركت…
ملخص الفتوى:
الجمع رخصة وليس أصلا، ولا يلجأ إليه المصلون إلا عند توفر الشروط؛ فإذا تحققت جاز الجمع ولا يجب، فمن شاء فعل، ومن شاء فلا يفعل، وإذا توفرت الشروط فللمسلم العمل بهذه الرخصة التي شرعها الله لهذه الأمة، ومعلوم حب الله حاصل في إتيان هذه الرخص ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُه”.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
الفرق بين الرخصة والسنة:
لا شك أن الرخصة والسنة كلاهما أتى من دليل من كتاب أو سنة، ولكن هناك فرق بين السنة والرخصة، وذلك أن السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد وداوم عليه، وأما الرخصة فما كان ضد العزيمة، وهي تفعل عند انعقاد أسبابها، وهي نوع من أواع التخفيف.
لا نلجأ إلى الرخصة إلا بيقين، وهي درجات:
والفقهاء على أن الرخص لا يلجأ إليها إلا بيقين، وهذا يعني أنه لا يؤتى بها إلا عند تحقق الشروط والأسباب، ومعلوم أن الرخص درجات، قال النووي: الرخص الشرعية هي أقسام:
- رخصة واجبة ولها صور: منها من غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرا وجبت إساغتها به… ومنها أكل الميتة للمضطر رخصة واجبة على الصحيح.
- رخصة تركها أفضل وهو المسح على الخف اتفق أصحابنا على أن غسل الرجل أفضل منه… (المجموع شرح المهذب (4/ 336).
الجمع رخصة من رخص الله وله شروط يجب مراعاتها:
ومن ثم فالجمع ليس أصلا، وإنما هو رخصة وللمسلم أن يقبل رخص الله، روى أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ” (رواه أحمد (5866) وقال محققو المسند: حديث صحيح)، وفي رواية عند البيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ » (رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 140) حسنه الألباني في صحيح الجامع (2766).
ومن ثم فلا يلجأ إليه المصلون إلا عند توفر الشروط، وإذا تحققت جاز الجمع ولا يجب، فمن شاء فعل، ومن شاء ترك.
هذا؛ واالله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
هل الخوف يعد سببا لجمع الصلوات؟
- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ، هل يجوز للمرء عند الخوف أن يجمع الصلاة، وهل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الصلاة من أجل الخوف؟ فما قوركم بارك الله فيكم…
ملخص الفتوى:
اختلف الفقهاء في جمع الصلاة بسبب الخوف، فمنهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالمنع، والراجح أنه لا مانع منه إذا وجدت الحاجة إليه.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
فقد اختلف الفقهاء في جمع الصلاة بسبب الخوف، وملخص ما جاء عنهم:
القول الأول: جواز الجمع: وهو قول الحنابلة وبعض الشافعية، ورواية عند المالكية: جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الحنابلة وبعض الشافعية وهو رواية عند المالكية إلى جواز الجمع بسبب الخوف… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 292).
واستدلوا بأدلة منها:
- ما رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ…. قال ابن رجب: وقول ابن عباس: (من غير خوف ولا سفر)، يدل بمفهومه على جواز الجمع للخوف والسفر… (فتح الباري لابن رجب (4/ 273)
- وجود المشقة، والتي من أجلها يكون الجمع كما في المطر والسفر، قال الباجي: ووجه ذلك أن هذا عذر تلحق به المشقة ومشقته أكثر من مشقة السفر والمرض والمطر، فإذا كان الجمع يجوز في السفر والمطر والمرض فبأن يجوز للخوف من العدو أولى وقد قال قبل ذلك لا يجمع بينهما لأن الله تعالى قال {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة: 239]… (المنتقى شرح الموطأ (1/ 256).
- عدم النقل عن النبي صلى الله لا يمنع جواز الجمع، بل جواز الجمع بما هو أقل (المطر) يجيز الجمع بما هو أكبر (الخوف)، قال ابن تيمية: فقول ابن عباس (جمع من غير كذا ولا كذا) ليس نفيا منه للجمع بتلك الأسباب؛ بل إثبات منه لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضا. ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى، فيدل ذلك على الجمع للخوف… (مجموع الفتاوى (24/ 83).
القول الثاني: عدم الجواز: وهو قول أكثر الشافعية والرواية الأخرى عند المالكية، ولا شك أن هذا قول الحنفية لأنهم لا يجيزون الجمع إلا في النسك: جاء في (الموسوعة الفقهية): وذهب أكثر الشافعية وهو الرواية الأخرى للمالكية إلى عدم جواز الجمع للخوف… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 292)
واستدل هؤلاء بأدلة ملخصها:
- ما جاء في توقيت الصلاة، ومنه:
- قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
- ما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا..
- عدم وجود مخالف للأدلة السابقة، جاء في (الموسوعة الفقهية): لثبوت أحاديث المواقيت ولا تجوز مخالفتها إلا بنص صريح غير محتمل…. (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 292).
- عدم وردود أدلة صريحة في صلاة الخوف. قال شهاب الدين الرملي: وعلم مما مر أنه لا جمع بغير السفر والمطر كمرض وريح وظلمة وخوف ووحل، وهو الأصح المشهور؛ لأنه لم ينقل، ولخبر المواقيت فلا يخالف إلا بصريح… (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 282).
- الأمر بأداء الصلاة على وقتها حتى في حال الخوف، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 238، 239]، وهذا يعني ألا تؤخر الصلاة عن وقتها ولا تقدم، وإنما يؤتى بها على أي حال {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.
الراجح:
والذي يترجح لي هو أن يجب أن معرفة الخوف الذي ستجمع له الصلاة زمانا ومكانا، وذلك لأن الأصل أن الجمع إنما يكون لمن يصلي في المسجد، وذلك لحصول مشقة الذهاب والإياب إلى المسجد، ونظرا لورود دليل الجمع عند الخوف، وهو حديث ابن عباس (صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ) فهذا يعني جواز الجمع؛ لكن إذا احتاج أناس إليه، ومن ثم فإن ما أراه راجحا ألخصه فيما يلي:
- إذا كان المرء في بيته أو في عمله وحصل له خوف ومثل ذلك إن حدث له خوف وهو في المسجد فلا حاجة للجمع وإنما يصلي كل صلاة في وقتها، لأنه لا جمع لمقيم المسجد ولا لباق في بيته على الراجح من أقوال الفقهاء.
- إذا كان الخوف مستمرا، وقد يصعب معه الوضوء مثلا، أو الإتيان بالصلاة فهنا يجمع المرء في أي مكان كان.
- إذا كان الناس في مكان وخافوا عدوا يدركهم عن الصلاة الثانية فلهم الجمع.
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
