(70) هل الأفضل في إقامة صلاة المغرب التأخير أم التعجيل بها؟

  1. السؤال: هل من الممكن أن تفتينا مشكورا؛ أيهما أفضل في إقامة صلاة المغرب التأخير أم التعجيل؟ حيث اختلفنا وزعم البعض أن هناك أحاديث بالتعجيل مثل:”المغرب جوهرة”، وحديث:”المغرب غريب”.

 

ملخص الفتوى:

التعجيل بصلاة المغرب مأمور به، وقد حثت السنة عليه، ولكن ليس استلالا بهذه الأحاديث المكذوبة، وإنما لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما فيما رواه الشيخان عن رَافِع بْن خَدِيجٍ قال: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ”.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

  • الصلاة على وقتها من أفضل القربات:

الأصل في الطاعات المبادرة بفعلها إلا ما دلّ الدليل على تأخيره، والله تعالى يقول: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]. وأما الصلاة فقد جاءت الأدلة على أن صلاتها في وقتها من أفضل القربات، روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ»، وروى أحمد عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: رُكُوعِهِنَّ، وَسُجُودِهِنَّ، وَوُضُوئِهِنَّ، وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ” أَوْ قَالَ: ” وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ” (قال محققو المسند: صحيح بشواهده).

  • التعجيل بالمغرب مرغوب:

وأما التعجيل بالمغرب فمطلوب في كل الأحوال والأوقات، ويكفي من الوقت ما يجتمع الناس للصلاة والوضوء، و قد جاء في السنة ما يدل على ذلك، روى الشيخان  عن رَافِع بْن خَدِيجٍ قال: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ”. قال النووي: معناه: أنه يبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف ويرمي أحدنا النبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء وفي هذين الحديثين أن المغرب تعجل عقب غروب الشمس وهذا مجمع عليه… (شرح النووي على مسلم (5/ 136).  وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ المُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ»، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ: عَنْ شُعْبَةَ، (لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ)… قال ابن رجب: وقد أجمع العلماء على أن تعجيل المغرب في أول وقتها أفضل… (فتح الباري لابن رجب (4/ 355).

  • الراجح صلاة ركعتين قبل المغرب:

اختلف الفقهاء في السنة القبلية للمغرب، فمنهم من قال سنة، ومنهم من قال جائز، منهم من قال بالكراهة، والراجح هو القول باستحباب وسنية صلاة ركعتين قبل المغرب وبه قال الشافعية، وهو قول ابن حزم، جاء في (الموسوعة الفقهية): قال الشافعية: صلاة ركعتين قبل المغرب سنة على الصحيح كما قال النووي… (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 184)، واستدلوا بما رواه البخاري عن عَبْد اللَّهِ المُزَنِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً»، ورواه أحمد أيضا بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ “، ثُمَّ قَالَ: ” صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ “، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: ” لِمَنْ شَاءَ ” كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. ومعنى ذلك كما نقل ابن حجر عن المحب الطبري قال: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب؛ بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها ومعنى قوله سنة أي شريعة وطريقة لازمة وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب واستدركها بعضهم وتعقب بأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها… (فتح الباري لابن حجر (3/ 60). وروى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا».

حديث: “المغرب غريب” و “المغرب جوهرة فالتقطوها” غير صحيحين ولكن!!

وأما هذه الأحاديث التي سئل عنها، فلم يصح منها شيء، فحديث “المغرب غريب” لم تأتي به كتب السنة، ومثله حديث: “المغرب جوهرة فالتقطوها”، لم تأت بهما كتب السنة، ولا وجود لهما في كتب الفقه.

ولكن لننتبه!!

ولكن إن قصد من هذه الجمل التعجيل بصلاة المغرب وعدم تأخيرها نظرا لضيق وقتها؛ فهذا صحيح، إذ معلوم أن الوقت بين المغرب والعشاء من أضيق الأوقات، فليس هناك متسع ؛كما بين الفجر والظهر، أو بين الظهر والعصر، أو بين العصر والمغرب، أو بين العشاء والفجر، ولهذا فإن الإسراع مطلوب، والتعجيل مأمور به كما سبق، لكن ليس استدلالا بهذه الأحاديث المنكرة، ولكن بما جاء في التعجيل كما فيما رواه الشيخان  عن رَافِع بْن خَدِيجٍ قال: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ”.

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*