- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد فأسأل الله أن ينفع بكم وأن يثيبكم خيرا، لي سؤال يتعلق بإقامة الصلاة وتحديد وقت محدد لها، بمعنى هل تحديد دقائق معدودات 5 أو ذ0 أو أقل أو أكثر يدخل في باب البدعة؟ وهل ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؟!
ملخص الفتوى:
الأصل في العبادات التوقيف، وتحديد مدة معينة بين الأذان والإقامة وإن لم يأت به دليل صحيح صريح؛ إلا أنه لا يدخل في أمر البدعة المذمومة، بل هو في البدعة المحمودة، وذلك لأنه يحقق للناس مصالح، وهو مما يساعد على ضبط العبادة وجمع الكلمة بين الناس، والعلماء اجتهدوا في تحديد وقت بين الأذان والإقامة بعدد معين من الآيات، وهذا بحسب وقتهم، ولا مانع من أن نقيس على ذلك فنجعله بالدقائق والساعات.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فلا شك أن الأصل في العبادات التوقيف، وأن الله لا يعبد إلا بما شرع، روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ».
- لا بدعية في التوقيت بين الأذان بدقائق محددة:
وتحديد مدة معينة بين الأذان والإقامة وإن لم يأت به دليل صحيح صريح؛ إلا أنه لا يدخل في أمر البدعة المذمومة، قال أبو شامة المقدسي: فالبدع الْحَسَنَة مُتَّفق على جَوَاز فعلهَا والاستحباب لَهَا، ورجاء الثَّوَاب لمن حسنت نِيَّته فِيهَا، وَهِي كل مُبْتَدع مُوَافق لقواعد الشَّرِيعَة غير مُخَالف لشَيْء مِنْهَا، وَلَا يلْزم من فعله مَحْذُور شَرْعِي، وَذَلِكَ نَحْو بِنَاء المنابر والربط والمدارس وخانات السَّبِيل، وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْبر الَّتِي لم تعد فِي الصَّدْر الأول، فَإِنَّهُ مُوَافق لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة من اصطناع الْمَعْرُوف، والمعاونة على الْبر وَالتَّقوى… (الباعث على إنكار البدع والحوادث/ 23).
والتوقيت بين الأذان والإقامة وإن لم يأت به دليل إلا أنه يحقق للناس مصالح، وهو مما يساعد على ضبط العبادة وجمع الكلمة بين الناس، وهو داخل إن شاء الله في الوسائل، والقاعدة الشرعية تنص على أن (الوسائل لها حكم المقاصد)، وقد يستأنس له بحديث بلال لِبِلَالٍ: «يَا بِلَالُ، إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِكَ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» (ضعفه الألباني) والحديث وإن كان ضعيفا سندا إلا أنه يوافق ما من أجله شرعت الإقامة.
- كل يحدد الوقت بما تيسر له من آليات:
وقد ذكرت في فتوى سابقة أن العلماء اجتهدوا في تحديد وقت بين الأذان والإقامة، قال الزيلعي: وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة عشر آيات، وفي العصر بقدر ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية، والعشاء كالظهر… (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 92). وقال زكريا الأنصاري: (ويفصل) المؤذن مع الإمام بين الأذان والإقامة (بقدر اجتماع الناس) في مكان الصلاة (و) بقدر (أداء السنة) التي قبل الفريضة إن كان قبلها سنة (و) يفصل بينهما (في المغرب بسكتة لطيفة) أو نحوها كقعود لطيف لضيق وقتها ولاجتماع الناس لها قبل وقتها عادة… (أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 130).
ولما لم يكن لديهم ما لدينا مما عرف من تقسيم اليوم والليلة إلى (24) ساعة، وكل ساعة (60) دقيقة، وكل دقيقة (60) ثانية، فقد اجتهدوا بتحديد ذلك بعدد من الآيات، وقياسا على ذلك فلا مانع من تحديد وقت بين كل أذان وإقامة تراعى فيه مصلحة الناس وطبيعة الوقت الذي سيصلى.
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب