- السؤال: فضيلة الدكتور: بعد آذان المغرب يصلي يعض الناس ركعتين، هناك من لا يصلي، ولكنه ينكر على من صلى ويقول: إن ذلك ليس من السنة، وأن النبي لم يفعل ذلك، فما حكم هاتين الركعتين؟!
ملخص الفتوى:
اختلف الفقهاء في السنة القبلية للمغرب، فمنهم من قال سنة، ومنهم من قال جائز، ومنهم من قال بالكراهة، والراجح هو القول باستحباب وسنية صلاة ركعتين قبل المغرب لصحة وصراحة وقوة الأدلة التي جاءت بالفعل، وأن ما جاء في الكراهة أو النفي إما صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح، كما أن من أكد فعل هاتين الركعتين من الصحابة أكثر ممن نفاها، ويكون معنى النفي إن صحّ نفي التأكيد أو الرتابة، وإنما هي سنة غير مؤكدة.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فقد اختلف الفقهاء في سنة المغرب القبلية، وملخص الأقوال ما يلي:
- الاستحباب والسنية، وبه قال الشافعية، وهو قول ابن حزم، جاء في (الموسوعة الفقهية): قال الشافعية: صلاة ركعتين قبل المغرب سنة على الصحيح كما قال النووي… (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 184)، واستدلوا بما رواه البخاري عن عَبْد اللَّهِ المُزَنِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً»، ورواه أحمد أيضا بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ “، ثُمَّ قَالَ: ” صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ “، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: ” لِمَنْ شَاءَ ” كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. ومعنى ذلك كما نقل ابن حجر عن المحب الطبري قال: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها ومعنى قوله سنة أي شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب واستدركها بعضهم، وتعقب بأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها… (فتح الباري لابن حجر (3/ 60). وروى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا»
- الجواز لا السنية، وبه قال الحنابلة، قال ابن قدامة: فظاهر كلام أحمد، أنهما جائزتان وليستا سنة، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله، الركعتان قبل المغرب؟ قال: ما فعلته قط إلا مرة، حين سمعت الحديث، وقال: فيهما أحاديث جياد، أو قال: صحاح، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين… (المغني لابن قدامة (2/ 96)، واستدلوا بما رواه مسلم عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: «كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْأَيْدِي عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ»، فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا؟ قَالَ: «كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا».
- الكراهة: وهو قول الأحناف والمالكية، جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة التنفل قبل صلاة المغرب… (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 183)، واستدلوا بما رواه البزار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ إلاَّ الَمْغَرِبَ» (مسند البزار (14/ 28)، لكن الحديث لا يصح، قال الألباني في السلسلة الضعيفة: منكر (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (5/ 162). كما استدلوا بما رواه أبو داود عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا، وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ»، وهذا أيضا لم يصح، قال الألباني ضعيف (ضعيف أبي داود (2/ 48).
الراجح:
والراجح هو القول باستحباب وسنية صلاة ركعتين قبل المغرب، وذلك لما يلي:
- صحة وصراحة وقوة الأدلة التي جاءت بالفعل.
- ما جاء في الكراهة أو النفي إما صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح.
- أن من أكد فعل هاتين الركعتين من الصحابة أكثر ممن نفاها.
- أن النفي إن صحّ فإنما يكون معناه نفي التأكيد أو الرتابة، وإنما هي سنة غير مؤكدة،
ولابن حجر الهيتمي كلام رائع جاء فيه: (وقيل) من السنن (ركعتان خفيفتان قبل المغرب) لما يأتي (قلت هما سنة) غير مؤكدة (على الصحيح ففي صحيح البخاري الأمر بهما) لكن بلفظ «صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء» كراهية أن يتخذها الناس سنة أي طريقة لازمة فليس المراد في سنتيهما بالمعنى الذي نحن فيه؛ لأن ثبوت ذلك مدلول صلوا أول الحديث لا سيما وقد صح أن كبار الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يبتدرون السواري لهما إذا أذن المغرب حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما، والمراد صلوا ركعتين كما صرحت به رواية أبي داود «صلوا قبل المغرب ركعتين» وقول ابن عمر ما رأيت أحدا يصليهما على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نفي غير محصور وزعم أنه محصور عجيب إذ من المعلوم أن كثيرا من الأزمنة في عهده – صلى الله عليه وسلم – لم يحضره ابن عمر ولا أحاط بما وقع فيه على أنه لو فرض الحصر فالمثبت معه زيادة علم فليقدم كما قدموا رواية مثبت صلاته – صلى الله عليه وسلم – في الكعبة على رواية نافيها مع اتفاقهما على أنهما كانا معه فيها وبفرض التساقط يبقى معنا صلوا قبل المغرب ركعتين إذ لا معارض له، والخبر الصحيح السابق «بين كل أذانين أي أذان وإقامة صلاة» إذ هو يشملها نصا ومن ثم أخذوا منه ندب ركعتين قبل العشاء… (تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 223).
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
