(67) هل يجوز استئجار رحم (الضرة) الزوجة الثانية

 

  1. السؤال: السلام عليكم، فضيلة الدكتور: أكرم كساب… لي سؤال: رجل لديه زوجتان، هل يجوز استئجار رحم الزوجة الثانية (الضرة) للإنجاب، وماذا لو تزوجت من أجل ذلك؟ وأيهما تكون الأم؟ وهل في ذلك اعتراض على قضاء الله وقدره؟ وجزاكم الله خيرا…

ملخص الفتوى:

جمهور العلماء المعاصرين على حرمة تأجير الأرحام، واختلف العلماء في تأجير رحم الضرة، وهذه الصورة (تأجير رحم الضرة) ولكني أرى جواز هذه الصورة، وخاصة إذا كانت الزوجية قائمة فعلا، ولا مانع من أن يتم الزواج من أجل ذلك ولكن بنية الإبقاء لا بنية الانتفاع ثم الطلاق، وأن يكون لكل من الزوجتين نفس الحقوق التي جاء بها الشرع، وأن يكون ذلك بالتراضي بين الطرفين (صاحبة البويضة والمستضيفة).

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد…

فقد ذكرت في فتوى سابقة أن تأجير الأرحام محرم، وهذا ما عليه فقهاء الأمة وعلمائها، وقد جاء بذلك قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (https://iifa-aifi.org/ar/1661.html).

  • حكم استئجار رحم الضرة (الزوجة الثانية).

وأما هذه الصورة فهي مما اختلف فيه، وقد كان المجمع الفقهي قد قال بجواز هذه الصورة في دورته السابعة في عام 1404هـ، واشترط أخذ الحيطة الكاملة حتى لا تختلط النطف، وأن يكون ذلك عند الحاجة. ولكن المجمع عاد وألغى هذا القرار في دورته الثامنة عام 1405هـ، وألخص ما كان في حيثيات هذا القرار في التالي:

  • أن الزوجة الأخرى التي زُرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى، قد تحمل قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة من زرع اللقيحة، ثم تلد توأمين، ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج.
  • قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين، ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضاً أهو ولد اللقيحة.
  • الرد على احترازات ما جاء في قرار المجمع:

والذي يظهر لي أن ما جاء في قرار المجمع لا يسلم به، لأنه يستبعد من الناحية العملية والواقعية، فالواقع يقول بأن الأم المستضيفة لا يمكن الاقتراب منها في هذه المدة نظرا لطبيعة الحمل الطارئ عليها، كما أنه إذا استقر الحمل فإن الرحم لا يقبل بحمل آخر.

ويمكن القول بأنه يمكن أن يحتاط الزوج لذلك فيتجنب الجماع في هذه المدة.

كما يمكن القول بأن الجواز قائم على ما يلي:

  • أن الزوج واحد، وأن كلا من المرأتين (صاحبة البويضة والمستضيفة) زوجة لنفس الرجل.
  • الأبوة متحققة ومعلومة إذ الزوج واحد.
  • لا يوجد اختلاط للأنساب.

ومن ثم فلا مانع من ذلك على أن يكون ذلك وفق هذه الضوابط:

  • أن تكون الزوجية قائمة فعلا.
  • لا مانع من أن يتم الزواج من أجل ذلك ولكن بنية الإبقاء لا بنية الانتفاع ثم الطلاق.
  • أن يكون لكل من الزوجتين نفس الحقوق التي جاء بها الشرع.
  • أن تخبر الزوجة الثانية بذلك.
  • أن يكون ذلك بالتراضي بين الطرفين (صاحبة البويضة والمستضيفة).
  • من الأم لهذا الجنين (صاحبة البويضة أم المستضيفة)؟

وأما السؤال عمن تكون الأم: (صاحبة البويضة أم المستضيفة)؟ فالذي أراه أنها الأم (صاحبة البويضة، وذلك لأمور:

  1. أنها صاحبة البويضة، وأن الجنين ناتج عن اجتماع مني رجل بامرأة من نكاح صحيح.
  2. أن القرآن نسب أصل الإنسان إلى (النطفة) كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة: 37 – 39]، وكما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غافر: 67]، ومعلوم أن النطفة تتكون من حيوان منوي لذكر وبويضة لأنثى.
  • أليست الأكثر تعبا هي الأحق بالأمومة؟

وقد يقول قائل: أليس من حملت كرها ووضعت كرها هي الأولى بالأمومة؟

والحق أن من حملت تعبت وتألمت، ولكن العبرة هنا ليست بالتعب والمشقة وفقط، وإلا فكم من آباء كان تعبهم أضعافا مضاعفة من تعب الأمهات، فكم رأينا أما تخلت عن أولادها وقام الأب بدور الأب والأم، ولم يقل أحد أن صفة الأمومة ترفع عن هذه الأم، وكم من أب تخلى عن أولاده فقامت الأم بدور الأب والأم والأخ والصديق والرفيق، ولم يقل أحد بنفي نسب الأولاد لهذا الأب العاق!!

  • هل في ذلك اعتراض على قضاء الله وقدره؟

ولقائل أن يقول: إن مثل هذه العمليات هي نوع منا أنواع الاعتراض على قضاء الله وقدره، وهو القائل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49، 50]، والحق أن هذا استدلال في غير موضعه، لأن هذا النص القرآني هو حديث عن الواقع البشري، ولا مانع من أن يتعامل العقيم مع قدر الله الأول (العقم) بقدر آخر (العلاج)، وهذا كما قال عمر لأبي عبيدة حين قال له أَبُوعُبَيْدَةَ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ.. (رواه الشيخان)، بل هو امتثال لما أمر به النبي من التداوي، روى مسلم عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وروى أحمد عن أنس أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “إِنَّ اللهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ، خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا” (قال محققو المسند: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن).

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*