هل يجوز تأخير الإقامة؟ وهل يجوز أن نصلي وحدنا؟

  1. السؤال: كنا في المسجد وحضر وقت الإقامة المحدد، ولكن تأخر الإمام وطال الانتظار، وكانت الصلاة صلاة العشاء، ولبعضنا عمل وارتباطات، فهل يجوز لنا أن نصلي أم يجب انتظار الإمام؟ وفي بعض الأوقات تكون هناك ندوة فتؤخر الإقامة، فهل هذا جائز؟

ملخص الفتوى:

لم يأت دليل في تحديد وقت يكون بين الأذان والإقامة، وهذا متروك لما يتفق عليه الإمام مع لأهل الحي، مع مراعاة أن يكون الوقت كافيا للاستعداد للصلاة، ولذلك نص الفقهاء على كراهة الإقامة بعد الأذان مباشرة، لكن إذا توافق الناس في المسجد على وقت للإقامة فالأصل أن يلتزم الناس به ما لم تكن هناك حاجة أو ضرورة للتأخير أو التقديم، وإن عرض للإمام حاجة لتقديم الإقامة فلا مانع من التقديم، وذلك كصلاة جنازة، ومثله إن عرضت له حاجة للتأخير كإتمام محاضرة، وفي كل الأحوال لا يجوز للناس أن يقيموا الصلاة دون إذن الإمام لأن في ذلك اعتداء على حق الإمام، وتفريق لكملة المسلمين، وفي هذا مفسدة أعظم، غير أنه يجوز لمن له حاجة أن يصلي منفردا ثم ينصرف.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فقد ذكرت -في فتوى سابقة- أنه لم يأت دليل لا من كتاب ولا سنة في تحديد وقت يكون بين الأذان والإقامة، وأن هذا متروك لما يتفق عليه الإمام مع لأهل الحي، مع مراعاة أن يكون الوقت كافيا للاستعداد للصلاة، ويراعى في ذلك كله الوقت والناس والبيئة المحيطة بهم. قال ابن بطال: قال بعض الفقهاء: أما كم بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها فلا حَدَّ في ذلك أكثر من اجتماع الناس، وتمكن دخول الوقت… (شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 252). وقد (صرح الفقهاء باستحباب الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو جلوس أو وقت يسع حضور المصلين فيما سوى المغرب، مع ملاحظة الوقت المستحب للصلاة) (الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 15).

وقد استدل لذلك بما رُوي عند الترمذي عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: «يَا بِلَالُ، إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِكَ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» (ضعفه الألباني) والحديث وإن كان ضعيفا سندا إلا أن المعنى يصح؛ إذ ما الداعي لجعل بعد الأذان إقامة؟! قال الخطيب الشربيني: ويسن أن يفصل المؤذن والإمام بين الأذان والإقامة بقدر اجتماع الناس في مكان الصلاة وبقدر أداء السنة التي قبل الفريضة… (مغني المحتاج (1/ 325).

ولذلك نص الفقهاء على كراهة الإقامة بعد الأذان مباشرة، جاء في (الموسوعة الفقهية): وتكره عندهم -أي الفقهاء- الإقامة للصلاة بعد الأذان مباشرة بدون هذا الفصل… (الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 15).

لكن إذا توافق الناس في المسجد على وقت للإقامة فالأصل أن يلتزم الناس به ما لم تكن هناك حاجة أو ضرورة للتأخير أو التقديم، وعلى الناس أن ينتظروا الإمام الراتب فيصلوا بصلاته، ولا يفتاتوا عليه، كما على الإمام أن يلتزم بالوقت الذي توافق مع الناس عليه، فلا يقدم الإقامة عن الوقت فيحرم الناس من تكبيرة الإحرام أو صلاة الجماعة كلها، ولا يؤخر الإقامة عن وقتها بمدة تشق عليهم فللناس حوائج، ومنهم الصغير والكبير والمريض وذو الحاجة، وقد يكون في المسجد من مرّ به وليس من أهل الحي وعنده من الارتباطات ما يجعله يتعجل في أمره.

  • لا مانع من تقديم أو تأخير وثت الإقامة إن كانت هناك حاجة أو ضرورة:

ولكن إن عرض للإمام حاجة لتقديم الإقامة فلا مانع من التقديم، وذلك كصلاة جنازة، ومثله إن عرضت له حاجة للتأخير كإتمام محاضرة، أو بيان حكم فقهي طرأ على الناس ولا يجوز تأخير بيانه. وقد حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة بالناس لأمر عارض، بل أخر الصلاة بعد الإقامة لما عرض له، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: “أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقَدَّمَ، وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمْ» فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ”. وروى مسلم عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ».

  • لا يجوز صلاة الجماعة قبل جماعة المسجد:

وأما الحضور فإن كانت عادة الإمام التأخير فينصح الإمام أولا ليغير من عادته، وعليه أن يستجيب للناس، فما هو إلا قدوة، وعليه أن يكون أحرص الناس على الصلاة وإقامتها، كل في وقته وآنه. فإذا أصبحت هذه عادة للإمام فلينصح مرارا، وإلا طالبوا بتغييره، فإن عجزوا عن ذلك صلى المتعجلون في مسجد آخر.

وفي كل الأحوال لا يجوز للناس أن يقيموا الصلاة دون إذن الإمام لأن في ذلك اعتداء على حق الإمام، وتفريق لكملة المسلمين، وفي هذا مفسدة أعظم، وهذا الفعل غير جائز. وعلى الإمام أن يتق الله في نفسه والناس.

وإذا اتفق الناس على وقت فلا يجوز لآحاد الناس أن يتقدموا الإمام بصلاة الجماعة، وعليهم أن ينتظروه، فإن كان لهم حاجة صلوا فرادى، والعلماء على منع مثل هذه الجماعات، إما حرمة أو كراهة، والأصل في ذلك ما رواه مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ»، وفي رواية عند الترمذي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (صححه الألباني). قال النووي: معناه أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه… (شرح النووي على مسلم (5/ 173). وقال ابن قدامة: وإمام المسجد الراتب أولى من غيره؛ لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان… (المغني لابن قدامة (2/ 151).

ولجمال الدين القاسمي كلام رائع في هذه المسألة جاء فيه: يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناس يفتاتون على الإمام الراتب أي يتقدمون بالصلاة جماعة عليه قبل أن تقام له فيختزلون من الجامع ناحية يؤمون بها أناسا على شاكلتهم رغبة في العجلة أو حبًّا في الانفراد للشهرة. وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب. قالت الحنابلة إلا بإذنه وإلا فلا تصح صلاته كما في الإقناع وشرحه. وقالت المالكية: كره إقامتها قبل الراتب وحرم معه ووجب الخروج عند إقامتها للراتب كما في أقرب المسالك، وكره ذلك الشافعية وافتى ابن حجر بمنعه بتاتا. وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له راتب وكره ذلك الحنفية. ولا يخفى أن ما ينشأ عن هذا الإفتئات من المفاسد يقضي بتحريمه لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر وتفريق كلمة المسلمين والتشيع والتحزب في العبادة، ولمخالفة أمر السلطان أو نائبة لأنه أذن للراتب فقط. ولاتباع الهوى ومضادة حكمة مشروعية الجماعة من الاتحاد للتآلف والتعارف والتعاون على البر والتقوى فإن في تقسيمها تناكر النفوس وتبديل الأنس وحشة، إلى مفاسد أخرى تنتهي إلى قريب الأربعين مفسدة. وقد جمعت في حظر ذلك رسالة سميتها “إقامة الحجة على المصلي جماعة قبل الإمام الراتب، من الكتاب والسنة وأقوال سائر أئمة المذاهب” فليحذر من هذه البدعة الشنيعة. هدى الله المفتاتين للإقلاع عنها…. (إصلاح المساجد من البدع والعوائد/ ص79).

ولذلك على الحضور أن ينتظروا الإمام حتى يؤمهم في الصلاة؛ وعلى الحضور انتظاره ولهم في ذلك عظيم الأجر، روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ».

غير أنه إذا طال الإمام تأخره، أو اعتاد التأخر؛ ففي هذه الحال عليه أن ينيب غيره، ولا يلزمهم بانتظار يعيق أمرهم، ويعطل مصالحهم، وقد روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ” (قال محققو المسند: حديث حسن).

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*