- السؤال: دخلنا نصلي وبعد أن أقيمت الصلاة نادى العامل على الإمام فدخل مكتبه وتركنا قليلا ثم عاد فصلى دون إقامة فهل هذا بجائز؟ أم لا بد من عدم الفصل بين الإقامة والصلاة.
ملخص الفتوى:
السنة أن يدخل الإمام في صلاته بعد انتهاء المؤذن من إقامته، وليس له إلا أن يسوي صفوف الناس، ولا خلاف بين الفقهاء في كراهة الكلام في الإقامة لغير ضرورة إذا كان كثيرا، لكنه إن عرض له عارض أدى إلى تأخير الصلاة فلا حرج عليه، ولا يحتاج إلى إعادة الإقامة، والفصل إنما يكون لضرورة أو لحاجة، ولو علم أنه سيؤخر الصلاة فلا يجوز له إقامتها.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فالسنة أن يدخل الإمام في صلاته بعد انتهاء المؤذن من إقامته، وليس له إلا أن يسوي صفوف الناس، ويراعي في ذلك كثرتهم واتساع المسجد، ونص المالكية على عدم الفصل، فقالوا: ومن شرط الإقامة أن تعقبها الصلاة في الفور، وإن بَعُدَ ما بينهما أعاد الإقامة… (التبصرة للخمي (1/ 248)، وهو ما ذهب إليه الشافعية فقالوا: يشترط أن لا يطول الفصل بينها وبين الصلاة عرفا… (الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 272).
والأصل عدم الفصل بكلام أثناء الإقامة، ولا بعدها، جاء في (الموسوعة الفقهية): لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الكلام في الإقامة لغير ضرورة إذا كان كثيرا، أما إذا كان الكلام في الإقامة لضرورة مثل ما لو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئر، أو رأى من قصدته حية وجب إنذاره ويبني على إقامته. أما الكلام القليل لغير ضرورة فقد اختلف فيه: فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يكره الكلام؛ بل يؤدي إلى ترك الأفضل وذهب المالكية والحنابلة ووافقهم الزهري إلى أنه يكره الكلام أثناء الإقامة وبين الإقامة والصلاة، ويبني على إقامته، لأن الإقامة حدر وهذا يخالف الوارد ويقطع بين كلماتها… (الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 114).
- لا دليل على الإعادة ما كنت هناك ضرورة:
لكنه إن عرض له عارض أدى إلى تأخير الصلاة فلا حرج عليه، ولا يحتاج إلى إعادة الإقامة، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: “أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقَدَّمَ، وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمْ» فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ”. وروى مسلم عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ»، قال ابن حجر: في الحديث جواز الفصل بين الإقامة والصلاة؛ لأن قوله فصلى ظاهر في أن الإقامة لم تعد… (فتح الباري لابن حجر (2/ 122).
وليس هناك دليل على إعادة الإقامة ما كان ذلك لحاجة، قال العيني: (فإن قلت) هل اقتصر على الإقامة الأولى أو أنشأ إقامة ثانية (قلت) لم يصح فيه نقل ولو فعله لنقل… (: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 225). وابن حزم لا يرى الحاجة لإعادة الإقامة مهما طال الفصل، لأنه لا دليل على ذلك، يقول ابن حزم: ولا دليل يوجب إعادة الإقامة أصلا؛ ولا خلاف بين أحد من الأئمة: في أن من تكلم بين الإقامة والصلاة، أو أحدث؛ فإنه يتوضأ ولا تعاد الإقامة لذلك ويكلف من فرق بين قليل العمل وكثيره، وقليل الكلام وكثيره -: أن يأتي على صحة قوله بدليل، ثم على حد القليل من ذلك من الكثير؛ ولا سبيل له إلى ذلك أصلا… (المحلى بالآثار (2/ 196).
- الأصل الوصل لا الفصل، ولا فصل إلا لضرورة أو حاجة:
وما ورد عن النبي من الفصل فلم يكن هو الأصل، وإنما لما طرأ عليه، وهذا يعني أن الفصل إنما يكون لضرورة أو لحاجة، قال ابن حجر: والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد، وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر… (فتح الباري لابن حجر (2/ 122).
- إن علم أنه لن يصلي بعد الإقامة فلا يقيم وإلا أعاد:
وعدم إعادة الإقامة مرتبط بعدم علمه بتأخر الصلاة، فلو علم أنه سيؤخر الصلاة فلا يجوز له إقامتها، ولأن أقامتها مع العلم بتأخر الدخول في الصلاة مخالف لمقصود الإقامة، ومخالف للسنة، فإن فعل كان عليه إعادة الإقامة، لأن ما جاء من الفصل بين الإقامة والصلاة لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم علم في تأخير الدخول، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أنه علم بجنابته، لكن بعد الإقامة، وفي حديث أَنَس أن الصلاة أقيمت فحبسه رجل، وقد رواه البخاري بلفظ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ»، ورواه في الأدب المفرد بلفظ: عن أَنَس يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا، وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعَدَهُ، وَأَنْجَزَ لَهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: إِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِي يَسِيرَةٌ، وَأَخَافُ أَنْسَاهَا، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَصَلَّى…
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب