(73) هل يجوز تأخير الظهر نحو ساعة أو أكثر

  1. السؤال: فضيلة الشيخ: كما تعلم نحن الآن في فصل الصيف، ووقت الظهر يكون في منتصف النهار، وفي الذهاب إلى المسجد ما فيه من المشقة، فهل يجوز تأخير صلاة الظهر نحو ساعة؟ وما هو الوقت المشروع للتأخير؟

ملخص الفتوى:

فالأصل الصلاة على وقتها، وأن وقت الظهر ممتد من زوال الشمس حتى وقت العصر، وما بين الزوال والعصر هو وقت الظهر، والصلاة في ذلك الوقت مجزئة دون كراهة، والجمهور على استحباب (الإبراد) وهو تأخير صلاة الظهر (في الصيف)، ولا يمكننا تحديد دقائق معدودات أو وقت معين، المهم أن يكون هناك وقت كاف للوضوء والصلاة قبل دخول وقت العصر.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فمعلوم أن الصلاة على وقتها من أفضل الأعمال، روى البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وقد توعد الله من سهى عن الصلاة فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]. كما أن للصلاة مواقيت محددة لا يجوز للعبد أن يتجاوزها أو أن يتوانى فيها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].

ومعلوم أن وقت الظهر ممتد من زوال الشمس حتى وقت العصر، وما بين الزوال والعصر هو وقت الظهر، والصلاة في ذلك الوقت مجزئة دون كراهة، روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ».

لكن هناك بعض الفروض يجوز تأخيرها لما أتى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها صلاة الظهر، فقد روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»، والجمهور على استحباب (الإبراد) وهو تأخير صلاة الظهر، قال النووي: والصحيح استحباب الإبراد وبه قال جمهور العلماء… (شرح النووي على مسلم (5/ 117)، وجاء في (الموسوعة الفقهية): أما وقت الظهر المستحب، فقد ذهب الحنفية، وهو مذهب الحنابلة إلى الإبراد بظهر الصيف، والتعجيل بظهر الشتاء… وذهبت المالكية إلى أن التعجيل أفضل صيفا وشتاء إلا لمن ينتظر جماعة… وذهب الشافعية إلى أنه إن كان يصلي وحده يعجل، وإن كان يصلي بجماعة يؤخر… (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 178).

وإذا كان الجمهور على سنة (الإبراد) بصلاة الظهر، أي تأخير عن أول وقتها حتى تبرد الشمس، فإنهم اختلفوا في السبب، وذكر ابن رجب ثلاثة أسباب:

  • المشقة في الذهاب إلى المسجد، مما قد يقل عدد الجماعة.
  • ذهاب الخشوع بسبب شدة الحر، كما في حضرة الطعام أو مدافعة الأخبثين.
  • وقت التسعير بجهنم، وهذا وقت غضب وعلى العبد أن يتحرى أوقات الرضا… (فتح الباري لابن رجب (4/ 241)

هل هناك حدّ للإبراد (وقت معين تقام الصلاة بعده):

ولا يمكننا تحديد دقائق معدودات أو وقت معين فنقول أن هذا هو حدّ الإبراد، ولكننا نستأنس بما رواه الشيخان عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ»، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ»، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»، والمقصود بقوله (فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ) أي أن يقيم، قال ابن رجب:  الإبراد إنما كان بالإقامة، والإقامة تسمى أذاناً، كما في قوله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” بين كل أذانين صلاة”، ومراده: بين الأذان والإقامة… (فتح الباري لابن رجب (4/ 250).

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ) أي أنه أخرها إلى آخر وقتها، قال ابن رجب: ظاهره انه أخر صلاة الظهر يومئذ إلى ان صار ظل كل شيء مثله، وهو آخر وقتها. وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه صلاها في آخر وقتها قبل دخول وقت العصر. والثاني: أنه أخرها إلى دخول وقت العصر وجمع بينهما في وقت العصر… ولكن الأظهر هو الأول… (فتح الباري لابن رجب (5/ 361)

لا مانع من تأخير الإقامة ساعة أو أكثر في الظهر:

وبناء على ما سبق فلا مانع من تأخير الصلاة ساعة أو أكثر إذا كان هناك سبب لذلك، فلو كان في التأخير البعد عن شدة الحرارة كما في الصيف وخصوصا البلاد الحارة، أو كان ذلك سببا لاجتماع الناس والحرص على الجماعة، كما في بعض البلاد غير الإسلامية التي يرتبط الناس فيها بالعمل وقت الظهر.

المهم أن يكون هناك وقت كاف للوضوء والصلاة قبل دخول وقت العصر.

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*