هل يجوز جمع التبرعات بعد الانتهاء من الخطبة وقبل إقامة الصلاة؟!

  1. السؤال: فضيلة الشيخ صليت الجمعة في أحد المساجد، وبعد أن انتهى الإمام من خطبته أمرنا بالانتظار حتى يقوم بجمع التبرعات، وكان ذلك بسبب الحاجة الملحة لأحد البلاد المنكوبة، فهل هذا جائز أم لا؟ وأحيانا يكون هذا لجمع التبرعات للمسجد، فهل هذا جائز؟

ملخص الفتوى:

صلاة الجمعة لا تتم إلا بخطبة تتقدمها، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بعد الانتهاء من الخطبة مباشرة، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى إعادة الخطبة إذا طال الفصل، ويمكن أن نفرق بين التنويه على جمع التبرعات بعد الخطبة وقبل الصلاة؛ وذلك لكونه لا يأخذ وقتا، وإذا كانت المولاة شرطا، إلا أنه عند الضرورة يجوز الجمع على ألا يأخذ وقتا طويلا، وألا تصير هذه عادة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فمعلوم أن صلاة الجمعة لا تتم إلا بخطبة تتقدمها، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بعد الانتهاء من الخطبة مباشرة، إذ الأصل أن تكون الخطبة متصلة بالصلاة، فلا يفصل بينهما بفاصل طويل، وقد عدّ جمهور الفقهاء الموالاة بين الخطبة والصلاة شرطا من شروط الجمعة، جاء في (الموسوعة الفقهية): اتفق الفقهاء على بعض الشروط لصحة الخطبة ومنها: الموالاة بين أركان الخطبة، وبين الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة… (الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 180).

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى إعادة الخطبة إذا طال الفصل، قال النووي: الخطبة مع الصلاة كالصلاتين المجموعتين، فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين لم يجز بين الخطبة والصلاة… (المجموع شرح المهذب (4/ 513)، وقال ابن نجيم الحنفي: وقد صرح في السراج الوهاج بلزوم الاستئناف وبطلان الخطبة وهذا هو الظاهر… (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 159).

  • تفصيل مهم في الفصل بين الخطبة والصلاة:

والعلماء يفرقون بين فصل وفصل، ويمكن تلخيصه فيما يلي:

  • أن يكون الفصل بما يتعلق بالصلاة أو الخطبة، كما لو احتاج لوضوء لفساد وضوئه، أو تجهيز مكان لكثرة الناس، أو إصلاح (ميكرفون)؛ قال ابن قدامة: وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة. وإن احتاج إلى الطهارة تطهر، وبنى على خطبته… (المغني لابن قدامة (2/ 230).
  • إذا كان الفاصل بما لا يتعلق بالصلاة أو الخطبة، ففيه أمران:
  • الأول أن يكون قصيرا -بحسب العرف- فهذا يعفى عنه.
  • أن يكون الفاصل طويلا، فهذا تبطل به الخطبة وتعاد.

وقد اتفق الجمهور على المولاة بين الخطبة والصلاة، جاء في (الموسوعة الفقهية): اتفق الفقهاء على بعض الشروط لصحة الخطبة ومنها: الموالاة بين أركان الخطبة، وبين الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة. ويغتفر يسير الفصل، هذا ما ذهب إليه الجمهور… (الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 180). وهذه بعض أقوالهم: قال ابن نجيم: ولو خطب محدثا أو جنبا ثم توضأ أو اغتسل وصلى جاز، ولو خطب ثم رجع إلى بيته فتغدى أو جامع واغتسل ثم جاء استقبل الخطبة، وكذا في المحيط معللا بأن الأول من أعمال الصلاة بخلاف الثاني فإن ظاهره أن الاستقبال في الثاني لازم وإلا، فلا فرق بين الكل وقد صرح في السراج الوهاج بلزوم الاستئناف وبطلان الخطبة وهذا هو الظاهر؛ لأنه إذا طال الفصل لم يبق خطبة للجمعة… (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 159)، وقال ابن عابدين في (شروط الجمعة): كونها قبلها (الخطبة) أي بلا فاصل كثير… (الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 147) ،وقال ابن عرفة: (قوله وإلا استأنفها) أي الخطبة (قوله لأن من شروطها وصل الصلاة بها) أي ووصل بعضها ببعض كذلك ويسير الفصل مغتفر… (الشرح الكبير للشيخ الدردير (1/ 378)، وقال القرافي: الفصل اليسير لا يمنع وإن بعد الوقت فظاهر المذهب إعادة الخطبة لارتباطها بالصلاة… (الذخيرة للقرافي (2/ 333)). وقال ابن قدامة: وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة. وإن احتاج إلى الطهارة تطهر، وبنى على خطبته، ما لم يطل الفصل… (المغني لابن قدامة (2/ 230).

  • التفريق بين التنويه والجمع:

ولا شك أن هناك فرقا بين جمع التبرعات والتنويه عليها بعد الخطبة وقبل الصلاة؛ وذلك أن التنويه لا يأخذ وقتا، فربما لا يتجاوز دقيقة، وإن فعل ذلك في الجمعة كان أولى، إلا أن تكون هناك حاجة لذلك، كأن يكون في الحضور من هو أخبر بالموضوع الذي سيجمع من أجله المال، وأما الجمع فقد يأخذ وقتا طويلا، وفيه ربما حرج قد يقع لبعض الناس، وقد توسوس له نفسه بالخروج. أو قد يكون لأحد الناس حاجة؛ كذهاب إلى عمل، أو قضاء حاجة. كما أن الفصل إذا طال فبه تبطل الجمعة كما هو قول الجمهور.

  • للضرورة حكم خاص:

وإذا كانت المولاة شرطا وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا مانع إن وجدت ضرورة أو حاجة تقوم مقام الضرورة أن يكون الجمع بعد الخطبة وقبل الصلاة على أن يكون الجمع يسيرا لا طويلا، وقد روى مسلم ما يستأنس به ويستدل في مسألتنا هذه، فقد روى مسلم عن أَبي رِفَاعَةَ قال: ” انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا” قال النووي: ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها خطبة أمر غير الجمعة ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل ويحتمل أنها كانت الجمعة واستأنفها ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة فيكون منها ولا يضر المشي في أثنائها… (شرح النووي على مسلم (6/ 166).

ولهذا أقول: أن الجمع بعد الخطبة وقبل الصلاة جائز وفق شروط وضوابط، وأهمها:

  • أن يكون الجمع لضرورة أو حاجة تقوم مقام الضرورة.
  • ألا يكون الجمع لحاجة خاصة، وإنما لما يهم المسلمين جميعا.
  • أن يكون يقينا أو ما بغلبة الظن أن الجمع بين الخطبة والصلاة فيه خير كبير.
  • ألا يطيل الإمام أو من يقوم مقامه بالجمع.
  • ألا تكون هذه عادة في كل جمعة.
  • ألا يترتب على ذلك مفسدة.

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*