- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعيش في إحدى الولايات بأمريكا، وصلاة العشاء تؤذن حوالي: 11.30، والفجر تقريبا: 3.00، ومن الصعب أن أنتظر حتى صلاة العشاء نظرا لعملي الذي يبدأ من الساعة 7.00، إذ يكون النوم بعد صلاة الفجر من الصعب، والاستيقاظ أصعب، والحال أنني إذا صليت العشاء ضاع الفجر علي، وإن صليت الفجر أثر ذلك على عملي ووظيفتي، ورأيت البعض يصلي العشاء بعد 45 دقيقة، وقال آخرون: ممكن بعد ساعة من آذان المغرب فهل هذا يصح؟؟
ملخص الفتوى:
للصلاة مواقيت محددة، وقد أجمع الفقهاء على أن العلم بدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة، والعشاء لها وقت بدء ووقت انتهاء، والجمهور على أن وقت البدء غياب الشفق الأحمر، وأما وقت الانتهاء ممتد إلى الفجر، والقول بأن الصلاة تجوز بعد نصف ساعة أقل أو أكثر لم يقم عليه دليل، ولكن إن عجز المسلم عن صلاة العشاء في وقتها فله أن يصلي المغرب في وقته ثم ينم بعده على أن يستيقظ قبل الفجر فيصلي العشاء، أو أن يجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير، أو أن يقدر ما بين المغرب والعشاء في البلاد المجاورة ثم يصلي العشاء بعدها.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فأسأل الله أن يبارك فيك أيها السائل، وأن يجعلنا وإياك من المحافظين على الصلوات في أوقاتها، ولا يغيبن عن ذهنك أن للصلاة مواقيت محددة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على وقتها من أفضل الأعمال، روى البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»،
- من شروط الصلاة العلم بدخول الوقت:
وواجب أن ندرك كذلك أن العلم بدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة، وذلك لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقد اتفق الفقهاء على أنه يكفي في العلم بدخول الوقت غلبة الظن… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 61).
- متى يبدأ وقت العشاء ومتى ينتهي؟
والعشاء -كغيرها من الصلوات- لها وقت بدء ووقت انتهاء، أما وقت البدء فالجمهور على أنه غياب الشفق الأحمر، قال ابن قدامة: لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق، وإنما اختلفوا في الشفق ما هو؟ فمذهب إمامنا رحمه الله، أن الشفق الذي يخرج به وقت المغرب، ويدخل به وقت العشاء، هو الحمرة. وهذا قول ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، وإسحاق، وصاحبي أبي حنيفة. وعن أنس، وأبي هريرة: الشفق البياض…. (المغني لابن قدامة (1/ 277)، وهذا عليه الإجماع؛ قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم على أن أول وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق… (الأوسط لابن المنذر – دار الفلاح (3/ 31). وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا خلاف بين الفقهاء في أن أول وقت صلاة العشاء يدخل من غيبوبة الشفق… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 316).
وأما وقت الانتهاء فالجمهور على أنه ممتد إلى الفجر، جاء في (الموسوعة الفقهية): أما نهاية وقت العشاء، فحين يطلع الفجر الصادق بلا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه، وهو مذهب الشافعية، وغير المشهور عند المالكية؛ لما روي عن أبي هريرة أول وقت العشاء حين يغيب الشفق، وآخره حين يطلع الفجر (3) والمشهور في مذهب المالكية أن آخر وقتها ثلث الليل، لحديث إمامة جبريل المتقدم، وفيه: أنه صلاهما في اليوم الثاني في ثلث الليل… (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 175).
- الإسلام دين يسر:
ولا شك أن استقراء نصوص القرآن وصحيح السنة يؤكد على أن التيسير أمر مطلوب، وقصد مشروع، قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة: 185)، وقد روى الشيخان عَنْ أبي موسى لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ لَهُمَا: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا» وروى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا»، ولهذا فلا مانع من أن يراعي الناس هذا فيما يشق على الناس من الأعمال وخاصة إن كان ذلك فيما بفريضة يومية لا ينفك الناس عنها خمس مرات.
- وعلى صفوان بن المعطل يمكن القياس:
والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى أحد أصحابه حين أخبر بتأخره عن صلاة الفجر، على الرغم من عدم ارتباطه بعمل، وربما لم تكن صلاة العشاء متأخرة كما في بعض الدول الأوربية الآن، روى أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قَالَ وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ، قَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهَا يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ سُورَتَيْنِ فَقَدْ نَهَيْتُهَا عَنْهَا، قَالَ: فَقَالَ: «لَوْ كَانَتْ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ لَكَفَتِ النَّاسَ» ، وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي، فَإِنَّهَا تَصُومُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَا أَصْبِرُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: «لَا تَصُومَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهَا: بِأَنِّي لَا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ، لَا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قَالَ: «فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ» (قال محققو المسند: إسناده صحيح، وصححه الألباني). والحديث إن صحّ ففيه ما فيه من رحمة الله بخلقه، جاء في (عون المعبود): ذلك أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده ومن لطف نبيه صلى الله عليه وسلم ورفقه بأمته ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة فصار كالشيء المعجوز عنه وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه فعذر فيه ولم يثرب عليه… (عون المعبود وحاشية ابن القيم (7/ 94).
- ليس هناك دليل على لإقامة العشاء بعد دقائق أو ساعات محددة من أذان المغرب:
والقول بأن الصلاة تجوز بعد نصف ساعة، أو ساعة، أو أقل أو أكثر لم يقم عليه دليل، ومعلوم أن الوقت يختلف من مكان لآخر، كما يختلف من صيف إلى شتاء، ثم إن جعل ذلك التوقيت (45 أو 60) دقيقة معيارا طيلة العام أو فصل معين مقياسا يقاس عليه فهو أم لا ينضبط.
- ماذا يفعل من قصر ليلهم؛ تأخر وقت العشاء واقترب منه وقت الفجر؟
وبناء على ما سبق من كون الصلاة ركن، ولكل فريضة وقت مكتوب محدد، وأنه لا يجوز صلاة الفرض قبل دخول وقته، ولكن أيضا مراعاة أن الدين يسر، وأن المشقة في العبادات محتملة، وأن غير المحتمل تراعى له الرخص، فإنني أقول في هذه المسألة أنه يمكن الصلاة على هذا النحو:
- على المسلم أن يجتهد في صلاة كل فريضة في وقتها، وأن يتحمل المشقة التي تصاحبها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
- إن عجز المسلم على فعل ذلك فله:
- أن يصلي المغرب في وقته ثم ينم بعده على أن يستيقظ قبل الفجر فيصلي العشاء، وهو وقت صلاتها عند الجمهور، وهو وقت ضرورة لا استحباب.
- له أن يجمع بين الصلاتين فيصلي العشاء مع المغرب جمع تقديم، أو جمع تأخير إن لم يكن في مقدوره أن يستيقظ حتى صلاة العشاء.
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب