- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كنت حريصا على إيقاظ أولادي البالغين وزوجي للصلاة، ولكني سمعت شيخا يقول: لا يجب إيقاظ النائم، اتركيهم حتى يستيقظوا، فهل هذا القول صحيح؟ لقد حيرني هذا الأمر! هل أوقظه ليتعود؟ أم أتركه لأنه نائم والنائم غير مكلف كما قال الشيخ؟ أرجو الإجابة مع خالص الشكر…
ملخص الفتوى:
للصلاة شأن عظيم، وقد أجمع المسلمون عليه أن الصلاة واجبة على مسلم بالغ عاقل ذكرا كان أو أنثى مقيما كان أم مسافرا صحيحا كان أم مريضا… (كما أجمعوا على أن الصلاة واجبة على النائم، فإذا قام صلى، واختلف العلماء في إيقاظ النائم، فمنهم من قال يجب، ومنهم من قال يستحب، والراجح أنه مندوب في الصلاة المندوبة وواجب في الصلاة الواجبة، وخصوصا إن نام بعد دخول الوقت، وتراعى ظروف النائم إن كان قد نام من تعب وإرهاق عمل….
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فهذه مسألة مهمة لأنها تتعلق بفريضة الصلاة، وسأوضح هذه المسألة على هذا النحو:
- مكانة الصلاة:
لا شك أن للصلاة شأن عظيم، فهي أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي أول فريضة فرضت، ولم يفرض غيرها في السماء، روى مسلم عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “… فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ… “، وهي آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، روى أحمد عنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: ” الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”. حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ، وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ… (قال محققو المسند: حديث صحيح)، وهي وأول ما يحاسب عليه العبد، روى الترمذي عن أبِي هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ” (صححه الألباني). وهي أحد الفوارق الكبرى بين الكفر والإسلام، روى مسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ».
- الصلاة واجبة سفرا وحضرا صحة ومرضا صحيحا ومريضا مستيقظا ونائما:
ومما أجمع المسلمون عليه أن الصلاة واجبة على مسلم بالغ عاقل ذكرا كان أو أنثى مقيما كان أم مسافرا صحيحا كان أم مريضا… (معرفة الشروط بالتفصيل يراجع: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 58)، وقد روى البخاري عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا»، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا»، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ».
- الصلاة عبادة موقوتة:
وللصلاة مواقيت محددة لا يجوز للعبد أن يتجاوزها أو أن يتوانى فيها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على وقتها من أفضل الأعمال، روى البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وقد نوعد الله من سهى عن الصلاة فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، وجعل ذلك من صفات المنافقين فقال: {نَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وشنّع بمن يؤخر الصلاة من الأمراء فقال فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ – أَوْ – يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟» قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ». ولهذا حذّر النبي من قوم لا تقام فيهم صلاة الجماعة؛ فكيف بمن يؤخرها؟ روى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» (حسنه الألباني)، وجعل ترك صلاة واحدة (العصر) خسرانا ووبالا على من فعل ذلك، روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». ولهذا قال ابن القيم: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن اثمه ثم الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره… (الصلاة وأحكام تاركها (ص: 31).
- الصلاة واجبة على النائم:
ولا شك أن الصلوات الخمس واجبة على النائم حال نومه، والأصل في ذلك ما جاء في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]”، وهذا يعني أنه يجب عليه قضاء الصلاة إذا استيقظ وإذا ذكر، قال ابن رجب: وقد دل الحديث على وجوب القضاء على النائم إذا استيقظ، والناسي إذا ذكر، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد… (فتح الباري لابن رجب (5/ 131)، وقال المرداوي: أما النائم: فتجب الصلاة عليه إجماعا. ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت، على الصحيح، جزم به أبو الخطاب في التمهيد… (معرفة الراجح من الخلاف (1/ 389). ولا يقال بأنها ليست واجبة عليه لأنه (لو لم تجب عليه حال نومه لم يجب عليه قضاؤها كالمجنون… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 58).
- هل يجب على المستيقظ إيقاظ النائم؟
أما المستيقظ فهل عليه أن يوقظ النائم أم يتركه؟ فهذا مما اختلف فيه الفقهاء، فقائل بالوجوب وقائل بالاستحباب، وبعضهم ذهب إلى التفصيل، وهذه أقوال المذاهب الأربعة:
- الحنفية: قالوا بوجوب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة، قال ابن عابدين: ومثل أكل الناسي النوم عن صلاة؛ لأن كلا منهما معصية في نفسه، كما صرحوا أنه يكره السهر إذا خاف فوت الصبح، لكن الناسي أو النائم غير قادر، فسقط الإثم عنهما، لكن وجب على من يعلم حالهما تذكير الناسي وإيقاظ النائم؛ إلا في حق الضعيف عن الصوم مرحمة له… (الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 395).
- المالكية: قالوا يجب إيقاظه في الصلاة الواجبة، وبخاصة إذا خاف دخول الوقت، وقالوا يندب ذلك في الصلاة المندوبة، قال الخرشي: وهل يجب إيقاظ النائم؟ لا نص صريح في المذهب إلا أن القرطبي قد قال: لا يبعد أن يقال: إنه واجب في الواجب ومندوب في المندوب، لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال، فهو كالغافل وتنبيه الغافل واجب… (شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 220). وقال الصاوي: ووجب على من علمه نائما إيقاظه إن خيف خروج الوقت، وهل ولو نام قبل الوقت – كما قاسه القرطبي على تنبيه الغافل… (حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 234)
- الشافعية: ذهبوا إلى أنه يندب إيقاظه ولا يجب، قال النووي: يستحب إيقاظ النائم للصلاة لاسيما إن ضاق وقتها لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ، وفي رواية: قومي فأوتري” (رواه مسلم)، وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ، أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ”، رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف ولم يضعفه… (المجموع شرح المهذب (3/ 75).
لكن إن وجد تفريط كأن يكون قد نام بعد دخول الوقت فيجب إيقاظه، جاء في (إعانة الطالبين): يسن إيقاظ النائم للصلاة إن علم أنه غير متعد بنومه أو جهل حاله، فإن علم تعديه بنومه كأن علم أنه نام في الوقت مع علمه أنه لا يستيقظ في الوقت وجب…. (إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (1/ 142).
- الحنابلة: وفصل الحنابلة القول، حيث فرقوا بين إن كان بين ضيق الوقت واتساعه، وهل سيستجيب أم لا؟ وإن كان الصحيح في المذهب عندهم هو إيقاظه مطلقا، قال المرداوي: أما النائم: فتجب الصلاة عليه إجماعا. ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت، على الصحيح، جزم به أبو الخطاب في التمهيد. وقيل: لا يجب إعلامه. وقيل: يجب ولو لم يضق الوقت، بل بمجرد دخوله… (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/ 389). وقال الرحيباني: (ويلزم) مستيقظا (إعلام نائم بدخول وقتها) -أي الصلاة- (مع ضيقه) أي الوقت، وظاهره: ولو نام قبل دخوله، (ويتجه): إنما يلزم إعلام نائم (إن ظن أنه يصلي)، أما إذا علم أن إعلامه لا يفيد، فالأولى تركه، وهذا مبني على أن الأمر بالمعروف لا يجب إلا إذا ظن امتثال المأمور، وهو قول لبعضهم، والمذهب وجوبه أفاد أو لم يفد؛ لقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ}[لقمان: 17]… (مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 275).
الراجح:
والذي أراه راجحا في هذه المسألة أذكره مختصرا في الآتي:
- أن الصلاة جعل الله لها وقتا محددا ولذلك يجب الحفاظ عليها في وقتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
- أن النائم حال نومه ليس من ذوي الأهلية، فهو كمختل العقل، وقد روى أحمد عَنْ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُصَابِ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ ” (قال محققو المسند: صحيح لغيره).
- لا يجب إيقاظ النائم للصلاة المندوبة وإنما يندب ذلك، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك، روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ” (قال محققو المسند: إسناده قوي)، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوقظ عائشة؛ روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ». وهذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم استحبابا، قال ابن حجر: وفيه استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت؛ بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات… (فتح الباري لابن حجر (2/ 487).
- يجب التفريق بين من نام قبل دخول الوقت ومن نام بعد دخول الوقت؛ فمن نام قبل دخول الوقت لا يعد مقصرا، بينما من نام بعد دخول الوقت ويعلم أنه قد لا يستيقظ لقلة نوم أو لضيق وقت؛ فهذا قد يناله التقصير.
- يجب إيقاظ النائم للصلاة الواجبة سواء كان نومه قبل دخول الوقت أم بعد دخول الوقت، وخصوصا إذا خشي فوات الوقت، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]، ومن باب التعاون على البر، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]. قال ابن حجر: قال القرطبي: ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب في المندوب لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال فهو كالغافل؛ وتنبيه الغافل واجب… (فتح الباري لابن حجر (2/ 487).
- يزداد هذا الأمر إذا كان النائم ممن تحت مسؤولية المرء، وذلك عملا بقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، وبما رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
- تراعى ظروف النائم؛ فإن كان نومه لتعب أو إرهاق، أو لعودة من عمل، فقد يعذر على ألا يتعود على ذلك.
- تراعى قدرة النائم على الاستيقاظ؛ فإن كان لا يقوم في مثل هذه الظروف، فهو ثقيل النوم سريع الغضب؛ فهذا يترك حتى يقوم، لكن ينصح بإعطاء الصلاة حقها من الاهتمام، ويوعظ بالتي هي أحسن.
هذا، والله تعالى أعلم…
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
