- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ حفظه الله، أم تصر على أن تأتيها ابنتها بدم فض البكارة ليلة عرسها (الدخلة) فهل تجوز طاعتها في ذلك، وماذا يفعل الزوج؟ أفيدونا مشكورين مأجورين؟
ملخص الفتوى:
هذا الأمر لا يجوز الإقدام عليه، ويحرم على الوالدين مطالبة الفتاة بذلك، وهو فعل قبيح كثر في العقود المنصرمة، وقلّ في وقتنا الحالي، ولا يجوز للفتاة أن تطيع لا أبا ولا أما، ولا أخا ولا أختا، ولا حاكما ولا آمرا ولا ناهيا، لأن الفعل من أصله فعل منكر، وجريمة لا يطاع صاحبها، إذ “لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فالبكارة (بالفتح) لغة: عذرة المرأة، وهي الجلدة التي على القبل … والبكر: المرأة التي لم تفتض، ويقال للرجل: بكر، إذا لم يقرب النساء…
والبكر اصطلاحا: اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ولا غيره، فمن زالت بكارتها بغير جماع كوثبة، أو درور حيض، أو حصول جراحة، أو تعنيس: بأن طال مكثها بعد إدراكها في منزل أهلها حتى خرجت عن عداد الأبكار، فهي بكر حقيقة وحكما. وقيل: هي التي لم توطأ بعقد صحيح، أو فاسد جرى مجرى الصحيح… (الموسوعة الفقهية الكويتية (8/ 176).
ولا شك أن الإسلام أولى البكارة مكانة عظيمة، وقد تحدث القرآن عن ذلك حين قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة: 35، 36]، وقال سبحانه: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]، ولكن ذلك لا يقلل من مكانة الثيب؛ إذ الثيب من زواج صحيح مرت بمرحلة البكارة، وكم من ثيب في أعلى الدرجات، ولذلك قال الله تعالى لما تحدث عن إبدال النبي بنساء أخريات: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5].
ومن ثم فإن المهم أن ندرك أمرين في شأن غشاء البكارة:
- أن المرأة قد تولد بدون غشاء بكارة وإن كان ذلك نادرا قليلا، لكنه وارد، وإن كان الحكم دائما وأبدا للعام الشائع لا للقيل النادر.
- أن المرأة قد يفض غشاء بكارتها بدون فعل فاضح، وقد روى ابن أبي شيبة أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ مِنَ الْوَثْبَةِ وَالْحَيْضَةِ وَالْوُضُوءِ» (ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 494)
وقد كان إلى وقت قريب في بعض المجتمعات المسلمة -وللأسف الشديد- أقول: كانت (الخرقة البيضاء) الملوثة بدم الفتاة هي دليل عفتها وطهارتها، وكان المجتمع يشترك في هذه الجريمة بداية من أم الفتاة ووالدها؛ بل وعائلتها، وقد يجبرهم على ذلك الزوج ووالداه والمجتمع الموافق على هذه الجريمة والمقر بها.
أما أن هذه الفعلة جريمة كبرى وإهانة عظمى فلأمور، منها:
- أن هذه الجريمة مخالفة للفطر السوية، ولا يقدمها عليها إلا المجتمعات المقلدة أو المتشككة، أما الفطر السليمة فتأبى هذا المنكر.
- إتهام مبطن للفتاة بأنها أجرمت، وعليها أن تثبت الآن خلا ذلك، وفي هذا ما فيه من الجرم في حق المرأة، والعجيب أن في ذلك حرية مطلقة في للشاب، وكان له أن يعربد كما شاء أما الفتاة فهي مجرمة حتى وإن كانت بريئة، وإن كانا في الحكم سواء، روى أحمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ” ( قال محققو المسند: حديث حسن لغيره).
- أن العلاقة الحميمة من الأسرار التي لا يجوز أن تخرج عن إطارها، والخروج بها ولو عن طريق الزوجة أم غير مقبول شرعا، وقد روى مسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».
- لا يوجد دليل على ذلك لا من كتاب ولا من سنة على أن تذهب الفتاة بعد أول ليلة بدليل برأتها، وكأننا نعلن أن الفتاة أجرمت حتى يأتي دم عفتها، وقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».
- التكشف على العورات الذي يتم خلال هذه الجريمة، إذ لا يجوز لا أم ولا لغيرها أن تتكشف على أعضاء ابنتها الخاصة.
- الإيذاء الذي تتعرض له المرأة بغير ما سبب، إذ فضّ البكارة بغير الطريق المشروع فيه ما فيه من الإيذاء.
- وجود الدم أو عدمه لا يعني غفة الفتاة أو بغيها، فقد تفض البكارة بغير فاحشة، إذ قد يكون ذلك من خلال وثبة خاطئة، أو حركة غير مدروسة، كما أن الطب الآن تقدم وفي مقدور الفتاة التي أخطأت قبل الزواج أن تعيد الأمر إلى طبيعته.
- إدخال القلق والتوتر والحيرة على الفتاة في فترة هي أحوج ما تكون إلى الراحة والطمأنينة والثقة.
وعليه فلا يجوز للفتاة أن تطيع أحدا في هذا الشأن، مهما كان منزله منها، فلا تطيع أبا ولا أما، ولا أخا ولا أختا، ولا حاكما ولا آمرا ولا ناهيا، لأن الفعل من أصله فعل منكر، وجريمة لا يطاع صاحبها، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وإن لم يكن هذا إثم فمتى يكون؟! وروى الشيخان عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»، وعند مسلم عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». وعند أحمد عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”، (قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
والله تعالى أعلم…
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
