(68) حكم شراء البضاعة واستخدامها ثم إرجاعها بسبب أو بدون سبب!!

 

  1. فضيلة الشيخ: السلام عليكم: أرجو التكرم بالإجابة على هذا السؤال: نعيش هنا في أمريكا، وبعض الناس يقوم بشراء بضاعة ما ويكون في النية إرجاعها، حتى إن البعض يذهب لشراء بعض الملابس من أجل الذهاب إلى مناسبة ما، ثم يعيد البضاعة مرة ثانية إلى المحل، مع العلم أن لدينا هنا في أمريكا محلات لا تمانع من إرجاع البضاعة حتى وإن استخدمت ما دام المشتري يحمل فاتورة البيع، وما دام ذلك في مدة زمنية معينة؟

ملخص الفتوى:

فالشراء بنية إرجاع السلعة لا شيء فيه، إذ مجرد وجود النية لا يترتب عليها حكم معين، لكن إذا ترتب على النية عمل فهذا حرام، وأما الشراء بنية الاقتناء لكن إن وجد عيبا رده فهذا لا بأس به، وإذا كان من عُرف الشركة أن تقبل بردّ البضاعة حتى وإن كانت مستعملة فلا مانع من ردّ هذه البضاعة، ولا يجوز أن نعلل ذلك بكوننا نعيش في مجتمع غير مسلم، وبالتالي فلا حرمة، فهذا غير جائز، لأن النبي تعامل مع غير المسلمين فهل استحل مالهم لعدم إسلامهم؟ اللهم لا.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد

فهذه المسألة تحتاج إلى تفصيل وهذا بيانه مستعينا بالله تعالى:

  1. الشراء بنية إرجاع السلعة لا شيء فيه: إذ مجرد وجود النية لا يترتب عليها حكم معين، فالله تعالى يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: 286]، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ».
  2. إذا ترتب على النية عمل فهذا حرام؛ بمعنى أن المشتري إذا نوى الشراء والإرجاع ثم فعل ذلك لغير سبب فلا يجوز ذلك، والحرمة ترجع إلى الاضرار الذي يحدث للبائع، وفي المسند عند أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ” (قال محققو المسند: حديث حسن)، وفي هذا أيضا نوع من أنواع الخش والخديعة، وقد نهت الشريعة عن ذلك، روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي».
  3. الشراء بنية الاقتناء لكن إن وجد عيبا رده، وهذا لا بأس به إن وجد سببا يستدعي الرجوع في البيع، وفي الشريعة الإسلامية يعرف ما يسمى بـــ (الفسخ بسبب العيب)، إلا إذا كان البائع قد بيّن العيب فلا شيء عليه، روى ابن ماجه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ»، لكن إن وجد العيب ولم يبينه البائع فللمشتري حق الرد.
  4. لا مانع إن كان ذلك من عرف المؤسسة؛ فإذا كان من عُرف الشركة أو المؤسسة أن تقبل بردّ البضاعة حتى وإن كانت مستعملة ولو بدون سبب، فلا مانع من ردّ هذه البضاعة إذا كان ذلك بطيب نفس من البائع (شركة أو فردا).
  5. لا يجوز الرد بحجة أننا في بلد غير مسلم، فما يقوله البعض: إن هذه الشركات ليست لمسلمين، أو أننا نعيش في مجتمع غير مسلم، وبالتالي فلا حرمة، فهذا غير جائز، لأن النبي تعامل مع غير المسلمين فهل استحل مالهم لعدم إسلامهم؟ اللهم لا. بل كان النبي صلى الله عليه وسلم وفيا أمينا مع المسلم وغير المسلم، وقد صحّ عند البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ»، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وهذا عام مع المسلمين وغيرهم. يقول ابن قدامة: وأما خيانتهم، فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى… (المغني لابن قدامة (9/ 295).

والخلاصة:

  1. الشراء بنية الإرجاع لا شيء فيه.
  2. إرجاع البضاعة لغير سبب غير جائز.
  3. رد البضاعة لوجود عيب جائز ومشروع.
  4. إذا كان من عُرف الشركة ردّ البضاعة ولو لغير سبب فلا مانع في ذلك.
  5. استحلال أموال الغير بحجة أن البائع غير مسلم أو البلد غير إسلامية جريمة وكبيرة لا يجوز الوقوع فيها.

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*