(74) هل يجوز تأخير إقامة صلاة العشاء ساعتين لحضور الناس

  1. السؤال: فضيلة الشيخ: هل يجوز تأخير إقامة الصلاة لاجتماع الناس أو لصعوبة الحضور، وذلك أننا في مسجد في إحدى الولايات بأمريكا، يصعب علينا الحضور في أول وقت الصلاة، وذلك أن وقت العشاء يكون مبكرا في الشتاء، ولا يزال الكثير منا في العمل، واقترح البعض أن نؤخر الصلاة حتى نجتمع جميعا، وهذا التأخير يكون قريبا من ساعتين من دخول الوقت، فهل هذا جائز؟

 

ملخص الفتوى:

الصلاة على وقتها من أفضل الأعمال، وقد جاءت بذلك الأحاديث، وصلاة العشاء يبدأ وقتها من غروب الشفق، ويمتد حتى الفجر كما قال الجمهور، وتأخير وقتها أفضل وخصوصا إذا كان ذلك من أجل الجماعة، ما لم يكن في ذلك مشقة على الناس، وإذا كان المسلمون في الغرب يشق عليهم صلاة العشاء في أول وقتها، فإن اجتماعهم ولو بعد ساعتين من الأذان جائز شرعا، بل هو الأفضل بحسب ما يتفقوا عليه مع إمامهم.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فلا يخفى على أحد -كما ذكرت في فتوى سابقة- أن الصلاة على وقتها من أحب الأعمال، روى البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

ولكن لا مانع من تأخير صلاة العشاء من أجل حصول الجماعة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أحيانا، روى البخاري ومسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَدِمَ الحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ…». وواضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي أحوال الناس “إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ”. قال القسطلاني: لأن في تأخيرها تنفيرهم (وإذا رآهم أبطؤوا أخّرها)، لإحراز الفضيلة في الجماعة… (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 500).

وروى مسلم عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي»، قال النووي: معناه إنه لوقتها المختار أو الأفضل… (شرح النووي على مسلم (5/ 138).

وإذا كان الأفضل التأخير -لا شك مع وجود الجماعة- لكن تراعى أحوال الناس، قال القسطلاني: وفيه إشارة إلى أن تأخير الصلاة للجماعة أفضل من صلاتها أوّل الوقت منفردًا؛ بل فيه أخصّ من ذلك وهو أن التأخير لانتظار من تكثر بهم الجماعة أفضل، نعم إذا فحش التأخير وشقّ على الحاضرين فالتقديم أولى… (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 502)

وإذا علمنا أن وقت العشاء ينتهي عند منتصف الليل أو عند الفجر، والجمهور على أنه مع طلوع الفجر جاء في (الموسوعة الفقهية): أما نهاية وقت العشاء، فحين يطلع الفجر الصادق بلا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه، وهو مذهب الشافعية، وغير المشهور عند المالكية… وآخره حين يطلع الفجر، والمشهور في مذهب المالكية أن آخر وقتها ثلث الليل… (الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 175).

إذا علمنا ذلك فلا مانع كذلك من تأخير صلاة العشاء إذا دعت الحاجة، وعلى الإمام أن يراعي ذلك، فإذا كان وقت العشاء يتعارض مع عمل الناس، حيث يكون جلّهم أو أكثرهم في أعمالهم فلا مانع من مراعاة ذلك، فمثلا في بعض الدول في الغرب (أوربا وأمريكا) تكون العشاء في حدود الساعة السادسة أو ما يقاربها؛ بينما الناس في أعمالهم حتى السابعة والثامنة، فلا مانع من أن يرتب معهم الإمام الوقت ليوافق الغالب منهم، فإن صلوا في السابعة أو الثامنة أو ما بعدها فلا مانع…

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*