علاقة المصطفى بربه (11) حرص على هداية البشر

حرص على هداية البشر

د: أكرم كساب

ومن خصائص علاقة النبي صلى الله عليه وسلم لربه: حرصه على هداية البشر. والذي أعتقده أن البشرية كلها لم تر شخصا كان حريصا على إيجاد الخير وجلب النافع لها، أو درء الفاسد ودفع السوء عنها؛ كرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله واصفا هذا الرسول، موضحا هذا الحرص الشديد: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128). قال القرطبي: قال عبد الله بن داود الخريبي {عزيز عليه ما عنتم} قال: أن تدخلوا النار { حريص عليكم } قال: أن تدخلوا الجنة.

وقيل: حريص عليكم أن تؤمنوا.

وقال الفراء: شحيح بأن تدخلوا النار والحرص على الشيء: الشح عليه أن يضيع ويتلف.

وقال عبد العزيز بن يحيى: نظم الآية: لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز حريص، بالمؤمنين رؤوف رحيم، عزيز عليه ما عنتم، لا يهمه إلا شأنكم، وهو القائم بالشفاعة لكم، فلا تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته، فإنه لا يرضيه إلا دخولكم الجنة (تفسير القرطبي/ ج8 /ص 273).

وقال سبحانه وتعالى مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعاتبا له كثرة حرصه: ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف:6). وقال أيضا: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:3).

قال ابن كثير: لا تهلك نفسك أسفا… أي لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. (تفسير ابن كثير/ ج3 / ص 99).

وقد ذكر الألوسي في سبب نزول هذه الآية: عن ابن عباس: أن عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والنضر بن الحرث، وأمية بن خلف، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأبا البختري؛ في نفر من قريش اجتمعوا، وكان رسول الله قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزنا شديدا. (روح المعاني/ ج15 /ص 205).

وحزن النبي صلى الله عليه وسلم هنا طاعة، لكنه أفرط فيها فكان النهي، قال القرطبي: والحزن على كفر الكافر طاعة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرط في الحزن على كفر قومه فنهي عن ذلك. (تفسير القرطبي/ ج4 /ص 277).

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*