من دلائل حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية البشر
د: أكرم كساب
ذكرت في المقال السابق أن من خصائص علاقة النبي صلى الله عليه وسلم لربه: حرصه على هداية البشر، وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بالأدلة على ما ذكرت، ومن ذلك: ما جاء عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له:”أسلم”. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه و سلم وهو يقول:” الحمد لله الذي أنقذه من النار”.( رواه البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار، يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه، فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحمون فيها”.(متفق عليه).
وحين جاءه صلى الله عليه وسلم الطفيل بن عمرو الدوســـي، وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إن دوسا عصت، وأبت فادع الله عليها. فقيل: هلكت دوس. ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: “اللهم اهد دوسا، وأت بهم”.(متفق عليه).
وحين أوذي صلى الله عليه وسلم مسح الدم عن وجهه وهو يقول:” اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”. (متفق عليه).
وما أجمله صلى الله عليه وسلم وأحسنه حين جاءه أعرابي يستعينه في شيء فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ منزله؛ دعا الأعرابي إلى البيت فقال: إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك فقلت ما قلت، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك جئتنا تسألنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقلت بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم، فقال: نعم. فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي كذلك يا أعرابي؟ فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فقال لهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأنا أعلم بها، فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض، ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها، وإني لو أطعتكم حين قال ما قال لدخل النار”. ( رواه البزار).
إن هذه النماذج الرائعة- وغيرها كثير-لتدلل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، وتعبيدهم إلى ربهم، وهذا هو المطلوب من كل أتباعه إن أرادوا أن يلحقوا به في أعلى درجات الجنة.
