فتاوى الصلاة (2) ما الغرض من صلاة الجماعة

ما الغرض من صلاة الجماعة

  1. السؤال: السلام عليكم، ونفع الله بكم، لي سؤال، وهو: ما الغرض من صلاة الجماعة؟ وألا يكفي أن يصلي المرء في بيته صلاته؟ لماذا هذا الجهد في الذهاب كل يوم وكل فرض؟ وإذا كان الغرض هو الاجتماع فنحن نجتمع في أماكن كثيرة!! أفيدنا مشكورا مأجورا…. 

ملخص الفتوى:

لصلاة الجماعة أغراض كثيرة، ومن أهمها: تحصيل الأجر الكبير، والتربية على النظام، والتعليم والتثقيف، والتدريب على المبادئ الكبرى لسعادة البشرية وقيام الدول، والتعارف والتآلف، وتحصيل الأجر الكبير، والتربية على النظام، والتعليم والتثقيف، والتدريب على المبادئ الكبرى لسعادة البشرية وقيام الدول.

 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد،

فقد بينت في فتوى سابقة حكم صلاة الجماعة في المسجد، وذكرت أن في المسألة قولين:

الوجوب العيني: وهو مذهب أحمد وابن حزم واختاره ابن تيمية… (المغنى (2/ 176)، والمحلى (4/ 188)، ومجموع الفتاوى (23/ 239). وقد حملوا كل أمر في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب: كما في قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة: 43]، وكما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعمى الذي طلب رخصة لصلاة في بيته: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» (رواه مسلم).

عدم الوجوب العيني: وهو ما عليه الجمهور: حيث قال أبو حنيفة ومالك: سنة، وقال الشافعي: زاجب… (البدائع (1/ 155)، والخرشي (2/ 16)، والمجموع (4/ 184). وقد ردوا على أدلة الفريق الأول، واستدلوا على قولهم بأدلة منها: ما رواه الشيخان: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وقالوا: لو كانت واجبة لما قال (أفضل). كما استدلوا بما روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، الثُّومِ – وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ”، فلو كانت واجبة على الأعيان ما أمر بتركها.

والذي أراه راجحا هو ما ذهب إليه الشافعي أنها فرض كفائي، وبهذا يجمع بين أدلة الطرفين دون إهمال، وبهذا تكون الجماعة قائمة في المساجد، ولا يشعر المرء بالإثم إن صلى في غير المسجد، وإنما يفوته الفضل العظيم الذي ذكرته السنة. ولذلك فلتحرص أيها الكريم في الصلاة في بيت الله تسعد بلقاء إخوانك، وتكرم بثواب مولاك.

  • فرق بين الاجتماع في بيت الله لصلاة الجماعة وبين غيره من الاجتماعات:

لا شك أن صلاة الجماعة لم يقصد منها مجرد الاجتماع وإلا ذلك حاصل من القديم في المجالس والبيوت والمناسبات والأسواق، وأكثر منه الآن في النوادي والمقاهي والمتنزهات، ولكن شتان بين اجتماع واجتماع، لكن اجتماع الصلاة تتلاقى فيه الوجوه وتتلاصق فيه الأبدان وتتصافح فيه الأيدي وتناجي فيه القلوب ربا واحدا خلف إمام واحد، مما تتحقق به الألفة وتحصل به الوحدة، ويحدث الاتفاق في الرأي والفكر؛ وهذا هو المفترض والمظنون.

وفي ضوء هذا يفهم ما رواه مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ»، وهذا يعني أن صلاة الجماعة تدعو إلى اتحاد صفوف المسلمين وجمع قلوبهم، ودعوة إلى وحدة كلمتهم، وقد روى أحمد عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: فِي قَرْيَةٍ دُونَ حِمْصَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الذِّئْبَ يَأْكُلُ الْقَاصِيَةَ” قَالَ زَائِدَةُ: قَالَ السَّائِبُ: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ… (رواه أحمد (21710) وقال محققو المسند: إسناده حسن).

ولهذا فقد وصف الله أصحاب مسجد الضرار بأن من مقاصد مسجدهم التفريق بين المسلمين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107]، قال ابن العربي: يعني أنهم كانوا جماعة واحدة في مسجد واحد، فأرادوا أن يفرقوا شملهم في الطاعة، وينفردوا عنهم للكفر والمعصية، وهذا يدلك على أن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب، والكلمة على الطاعة، وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة، حتى يقع الأنس بالمخالطة؛ وتصفو القلوب من وضر الأحقاد والحسادة… (أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (2/ 582).

ومن خلال مقاصد الجماعة يفهم ما جاء من وجوب تراضي المصلين على إمامهم، روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً، مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ…»، (رواه أبو داود في الصلاة (593) وحسنة الألباني هذه الفقرة).

  • الغرض من صلاة الجماعة:

أما الغرض من صلاة الجماعة؛ فليس غرضا واحدا؛ بل أغراضا متعددة، وأهدافا كثيرة، وأذكر منها:

  • تحصيل الأجر الكبير، وقد فصلته في فتوى سابقة وأكتفي هنا بثلاثة أحاديث:
    • روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ…”.
    • روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».
    • روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
  • التربية على النظام، يقول القرضاوي: وهل رأيت نظاما أكمل وأجمل من صفوف الجماعة، وقد وقفت مستقيمة فلا عوج، متلاصقة فلا فرجة: المنكب إلى المنكب، والقدم إلى القدم، ينذرهم إمامهم بأن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج، ويعلمهم أن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة وتمامها… (العبادة في الاسلام (10/ 19).
  • التعليم والتثقيف، (وما كان المسجد في فجر الإسلام إلا جامعة شعبية للتثقيف والتهذيب، وبرلمانا محليا للتشاور والتفاهم، ومجمعا للتعارف والتحاب، ومعهدا للتربية العملية الأساسية (العبادة في الاسلام (10/ 21)
  • التدريب على المبادئ الكبرى لسعادة البشرية وقيام الدول، والتي هي الإخاء والحرية والمساواة، فالمسجد كما يقول القرضاوي: (برلمان دائم)؛ وأي برلمان كهذا المسجد، ونوابه هم:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة: 112] برلمان يعرض فيه الحاكم سياسته، ويحدد منهجه ويناقشه الشعب ويستجوبه بلا حجر ولا خوف… (العبادة في الاسلام (10/ 22).
  • التعارف والتآلف، فلقد دعا الإسلام أبناءه إلى الجماعة (ليتعارفوا فلا يتناكروا، ويتقاربوا فلا يتباعدوا، ويتحابوا فلا يتباغضوا، ويتصافوا فلا يتشاحنوا) … (العبادة في الاسلام (10/ 22).

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*