حكم إتمام الصفوف؟
- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… بعض الناس إذا دخل المسجد والإمام راكع فإنه ينشئ صفا جديدا على الرغم من أن الصف الذي قبله لم يكتمل، وذلك لأنه يخاف أن تضيع عليه الركعة، فهل هذا صحيح؟ وما حكم الصلاة؟
ملخص الفتوى:
إكمال الصفوف، هو إكمال الصف الأول قبل الثاني، والثاني قبل الثالث، وهذا الأمر يدخل في إتمام الصفوف، وهو من تسوية الصفوف إكمال الصف الأول فالأول، وقد حضت الشريعة على إكمال الصفوف وإتمامها، وقد اتفق الفقهاء على عدم إنشاء صف قبل أن يتم سابقه.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد،
فأجيب على هذا السؤال مستعينا بالله تعالى على هذا النحو:
إكمال الصفوف من تسويتها:
وإكمال الصفوف، هو إكمال الصف الأول قبل الثاني، والثاني قبل الثالث، وهذا الأمر يدخل في إتمام الصفوف، جاء في (الموسوعة الفقهية): ومن تسوية الصفوف إكمال الصف الأول فالأول، وأن لا يشرع في إنشاء الصف الثاني إلا بعد كمال الأول، وهكذا… الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 36). وقال العيني: والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرا إلى أن ينتهي وتتكمل الصفوف، فإذا كان ثمة نقص يجعل ذلك في الصف الأخير… (شرح أبي داود للعيني (3/ 221).
فضل إكمال الصفوف وإتمامها:
لقد حضت الشريعة على إكمال الصفوف وإتمامها، ومن ذلك:
- أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل صفوفنا كصفوف الملائكة، روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».
- أخبرنا بأن الله وملائكة يصلون على من يصل الصفوف ويتمها، روى أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ” (رواه أحمد (24381)، وقال محققو المسند: حديث حسن).
- جعل الخطوة التي يمشيها العبد ليتم صفا من أفضل الخطوات، روى أبو داود عنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كُنَّا نَقُومُ فِي الصُّفُوفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ»، قَالَ: وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَمَا مِنْ خُطْوَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا يَصِلُ بِهَا صَفًّا» (رواه أبو داود في الصلاة (543) وضعفه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (507).
- وجعل من سد الفرجة سببا في الرفعة في الدرجات، روى الطبراني عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي صَفٍّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»، (رواه الطبراني في الأوسط (6/ 61)، وقال الألباني: صحيح لغيره/ صحيح الترغيب والترهيب (505).
- جعل وصل الصفوف وإتمامها سببا لصلة الرب لعبده، روى النسائي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» (رواه النسائي في الصغرى (819)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (503).
من فوائد إتمام الصف وإكماله:
ولا شك أن إتمام الصف سيحقق أمورا كثيرة ومنها:
- ضبط الصفوف واتحادها مما يدعو إلى وحدة القلوب.
- جمال الهيئة الناس حال صفوفهم، وفي ذلك تشبه بالملائكة، وقد سبق حديث: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».
- سعة المسجد لأكبر عدد مما يحدث وحدة في الصف وحدة في الفكر والرؤية.
حكم إكمال الصفوف وإتمامها الصفوف:
والأصل أن يبدأ الناس صفهم الأول ولا يشرعون في الثاني حتى يتم الأول، ولا يشرعون في الثالث حتى يكملوا الثاني… وهكذا، ويجب على المصلين إكمال كل صف قبل البدء في في الذي بعده، وهذا متفق عليه، جاء في (الموسوعة الفقهية): وهذا موضع اتفاق الفقهاء… (الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 36).
وهذا الوجوب من صيغة الأمر التي جاءت في الحديث الذي رواه أحمد عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ”، (رواه أحمد (13439)، وقال محققو المسند: حديث صحيح). قال الباجي: فيجب أن يكمل الأول فالأول فإن كان نقص ففي المؤخر… (المنتقى شرح الموطأ(1/ 279). وقال ابن مفلح: والمشهور القول بموجبه وأن ترك الصف الأول ناقصا مكروه… (النكت والفوائد السنية (1/ 115).
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
