جمع الصلاة بسبب المرض
- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تعلمون أن المريض إذا اشتد مرضه قد يجد صعوبة في وضوئه وصلاته، فهل يعد المرض سببا من أسباب جمع الصلوات؟ بارك الله فيكم..
ملخص الفتوى:
قد اختلف الفقهاء في جمع الصلوات بسبب المرض إلى قولين؛ منهم من قال بالجواز، ومنهم من قال بالمنع، والذي أراه راجحا هو جواز الجمع للمرض، وأعني بالمرض هنا ما صاحبه التعب والمشقة، ومعلوم أن الأصل في الدين اليسر لا المشقة، وأرى أن الجمع الصوري أولى وأفضل، وهو أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخرها وقتها، ثم يصلي الصلاة الثانية في أول وقتها.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
فقد اختلف الفقهاء في جمع الصلوات بسبب المرض إلى قولين مشهورين، وبيان ذلك على هذا النحو:
القول الأول: جواز الجمع: وهو قول المالكية والحنابلة، قال ابن قدامة: ويجوز الجمع لأجل المرض، وهو قول عطاء، ومالك…. (المغني لابن قدامة (2/ 204)، واستدلوا بأدلة منها:
- ما رواه أحمد عن حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَثِيرَةً، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:”وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ، وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي” (رواه أحمد (27474) وقال محققو المسند: إسناده ضعيف).
- ما رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ». فإذا جاز الجمع بدون خوف ولا ولا مطر فلا شك أن المرض عذر يبيح الجمع. قال النووي: ووجه الدلالة منه أن هذا الجمع إما أن يكون بالمرض وإما بغيره مما في معناه أو دونه ولأن حاجة المريض والخائف آكد من الممطور… (المجموع شرح المهذب (4/ 384)
- وجود المشقة في المرض وهو سبب للجمع كما في المطر والسفر.
القول الثاني: عدم الجواز: وذهب إلى ذلك الحنفية والشافعية، قال النووي: المشهور في المذهب والمعروف من نصوص الشافعي وطرق الأصحاب أنه لا يجوز الجمع بالمرض والريح والظلمة ولا الخوف ولا الوحل… (المجموع شرح المهذب (4/ 383)، وقال ابن قدامة: وقال أصحاب الرأي والشافعي: لا يجوز… (المغني لابن قدامة (2/ 204)، واستدلوا بأدلة منها:
- عدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت مرضه مرارا.
- أن أخبار التوقيت ثابتة، فلا تترك بأمر محتمل… (المغني لابن قدامة (2/ 204)
الراجح:
والذي أراه راجحا هو جواز الجمع للمرض، وأعني بالمرض هنا ما صاحبه التعب والمشقة، ومعلوم أن الأصل في الدين اليسر لا المشقة، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، والقول بالجواز لمجيء دليل الجواز كما في حديث حمنة المتقدم، ولوجود المشقة، وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية حين قال: والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين… (مجموع الفتاوى (24/ 26)، وهو ما ذهب إليه الشوكاني حيث قال: فالمراد بالجمع الجائز للعذر هو جمع المسافر والمريض وفي المطر كما وردت بذلك الأدلة الصحيحة… (الدراري المضية شرح الدرر البهية (1/ 74).
الجمع الصوري:
وأرى أن الجمع الصوري أولى وأفضل، وحقيقة الجمع الصوري: أن يؤخر الصلاة الأولى (الظهر أو المغرب) إلى آخرها وقتها، ثم يصلي الصلاة الثانية في أول وقتها، وبه يجمع المرء بين القولين:
- من منع الجمع وقال بوجوب الصلاة على وقتها.
- من رأى أن المشقة بالمرض تجلب التيسير وبالتالي لا منع من الجمع.
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
