جمع السائق للصلاة بسبب عمله
- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكر الله لك على تجاوبك معنا، وارجو الإجابة على هذا السؤال: نعمل كسائقين، وطبيعة عمل السائق أنه يجوب ويتحرك في داخل المدينة لكنه لا يمكنه الوقوف لوجود أناس يوصلهم، ولا يمكنه الاستئذان منهم، فهل يجوز لهم الجمع علما بأن المسافة ليست مسافة سفر؟
ملخص الفتوى:
جعل الله للصلاة وقتا لا يجوز التخلف عنه، سمى الله العمل بـــ: (فضل الله)، وقرن بينه وبين الجهاد في سبيل الله في كتابه. وقد اختلف الفقهاء في الجمع بسبب المشقة، والجمهور على عدم جواز الجمع، وممن قال بالجواز الحنابلة، والراجح هو جواز الجمع لوجود المشقة، ولا مانع من أن يجمع السائق بين الفرضين إذا لم يكن في مقدوره أن يصلي الصلاة في وقتها، وهذا يدخل فيما يسمى بــ (أصحاب المهن الشاقة)، وإن استطاع الجمع الحكمي فليفعل، وهو أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ثم يصليها ويصلي الصلاة الثانية في أول وقتها.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛؛؛
فالأصل كما هو معلوم أن تصلى الصلاة علة وقتها، وذلك لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقد شنّع النبي صلى الله عليه وسلم بمن يؤخر الصلاة من الأمراء، وأمر الناس بترك فعل هؤلاء الحكام؛ فقال فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ – أَوْ – يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟» قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ».
بشرى لأصحاب المهن الشاقة:
والحق أني لم أجد دينا كدين الإسلام حيث راعى مكانة العامل، وتأمل قوله سبحانه في تخفيف قيام الليل حيث قال: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]، فالعجيب أن الله قرن العمل بالجهاد في سبيل الله تعالى؛ بلو الجميل أنه سماه (فضل الله) كما في هذه الآية، وفي آية الجمعة أيضا قال سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10].
كما صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الساعي على نفسه أو أولاده أو أبويه فهو في شبيل الله، روى الطبراني: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ» (رواه الطبراني في الصغير (2/ 148)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره (1692))
اختلاف العلماء في الجمع بسبب المشقة:
وقد بينت في فتوى سابقة (الجمع للطبيب) أن الجمع بين الصلوات بسبب المشقة الحاصلة بالعمل مما اختلف فيه العلماء، والجمهور على عدم الجمع، وممن قال بالجواز الحنابلة، قال البهوتي: الحال السابعة والثامنة (لمن له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة) كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله، أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع ونحوه… (كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 6).
أصحاب الأعمال الشاقة راعت الشريعة حاجتهم:
وقد راعت الشريعة مصالح أصحاب المهن الشاقة، لأنها ة جاءت بحفظ النفس كما جاءت بحفظ الدين، ولذلك إن كان في الصلاة على وقتها ضياع للعمل سواء فيما يتعلق بمصلحة المرء أو مصلحة غيره كما في حال السائق، فيجوز له الجمع لأن (لقمة العيش) مما يدخل في حفظ المال وحفظ النفس، الذي جاءت به الشريعة. يقول ابن تيمية: والصناع والفلاحون إذا كان في الوقت الخاص مشقة عليهم: مثل أن يكون الماء بعيدا في فعل صلاة وإذا ذهبوا إليه وتطهروا تعطل بعض العمل الذي يحتاجون إليه فلهم أن يصلوا في الوقت المشترك فيجمعوا بين الصلاتين… (مجموع الفتاوى (21/ 458).
رأي الحنابلة أرجح:
وما ذهب إليه الحنابلة من جواز الجمع من أجل المشقة هو الراجح، وذلك لأن الشريعة جاءت بحفظ النفس كما جاءت بحفظ الدين، ولذلك إن كان في الصلاة على وقتها ضياع للعمل سواء فيما يتعلق بمصلحة المرء أو مصلحة غيره كما في حال السائق، فيجوز له الجمع لأن (لقمة العيش) مما يدخل في حفظ المال وحفظ النفس، الذي جاءت به الشريعة. قال الآمدي: المقاصد الخمسة التي لم تخل من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فإن حفظ هذه المقاصد الخمسة من الضروريات وهي أعلى مراتب المناسبات… (الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (3/ 274).
الجمع الصوري أفضل:
والجمع الصوري أفضل وأولى إن كان في مقدو صاحب العمل أن يفعل ذلك، وصورته كما بينت من قبل: أن يؤخر الصلاة الأولى (الظهر أو المغرب) إلى آخرها وقتها، ثم يصلي الصلاة الثانية في أول وقتها، وأشار إلى ذلك ابن تيمية فقال: وأحسن من ذلك أن يؤخروا الظهر إلى قريب العصر فيجمعوها ويصلوها مع العصر وإن كان ذلك جمعا في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر… (مجموع الفتاوى (21/ 458).
لذلك فعلى الإخوة السائقين أن يراعوا هذا الترتيب:
- الصلاة على وقتها ما وجدوا سبيلا إلى ذلك.
- الجمع الصوري، وهو أن يصلي المرء الصلاة الأولى في آخر وقتها، ثم يصلي الثانية في أول وقتها.
- الجمع الحقيقي، إما تقديما أو تأخيرا حسبما تيسر له.
هذا؛ والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب
