فتاوى الصلاة (21) حكم الجمع بين الصلوات في المطر

حكم الجمع بين الصلوات في المطر

  1. السؤال: هل جمع الصلوات بسبب المطر مما اتفق عليه الفقهاء أم هذا مما يجوز فيه الخلاف؟ وهل الجمع جائز في الظهر والعصر، كما في المغرب والعشاء؟ فقد جمعنا بين الظهر والعصر فقال بعض الإخوة المصلين لا جمع في الظهر والعصر؟ فهل هذا متفق عليه بين الفقهاء؟

 

ملخص الفتوى:

اختلف الفقهاء في جمع الصلوات بسبب المطر، فذهب الحنفية إلى المنع، وأجاز المالكية والحنفية جمع المغرب والعشاء، وأجاز الشافعية جمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والراجح هو قول الشافعية لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولوجود المشقة في الظهرين كما في العشاءين.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛؛؛

فقد اختلف الفقهاء في جمع الصلوات بسبب المطر، وهو خلاف سائغ مقبول، ولا يجوز العداء بسببه، لأنه خلاف بسبب تعارض الأدلة وتقابلها، وملخص أقوالهم، على هذا النحو:

القول الأول: عدم الجواز، وهو قول الأحناف، وذلك لأنهم يرون الجمع للنسك لا غير، قال الحصكفي: (ولا جمع بين فرضين في وقت بعذر… إلا لحاج بعرفة ومزدلفة… (الدر المختار (ص/ 55).

واستدل الأحناف بأدلة منها:

  • قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، واعتبروا التوقيت أمر مأمور به فلا يخرج عنه بما هو محتمل، قال ابن رشد: وقد صح توقيت الصلاة وتبيانها في الأوقات، فلا يجوز أن تنتقل عن أصل ثابت بأمر محتمل… (بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 182).
  • ما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا..
  • كما اعتبروا ما جاء من جمع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان فعلا لا وقتا، جاء في الاختيار لتعليل المختار): في الجمع تغيير الوقت، ويجوز الجمع فعلا لا وقتا، وهو تأويل ما روي: «أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين»، وتفسيره أنه يؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ويقدم العصر في أول وقتها… (الاختيار لتعليل المختار (1/ 42).
  • اعتبروا ما جاء من أفعال يتطرق الاحتمال، وما كان كذلك فلا يجوز الاعتماد عليه، قال ابن رشد: لأنها كلها أفعال وليست أقوالا، والأفعال يتطرق إليها الاحتمال كثيرا أكثر من تطرقه إلى اللفظ… (بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 181).

القول الثاني: جواز الجمع بين المغرب والعشاء فقط، وهو قول الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): يقول ابن قدامة: ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء. ويروى ذلك عن ابن عمر، وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة. وهو قول الفقهاء السبعة، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وروي عن مروان، وعمر بن عبد العزيز.. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء… (المغني لابن قدامة (2/ 202)، وجاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر المبلل للثياب… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 289).

واستدل هؤلاء بأدلة منها:

  • كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الظهرين، وإنما جمع بين العشاءين.
  • ما رواه مالك عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الأَُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ، جَمَعَ مَعَهُمْ… (موطأ مالك 179 (1/ 208)، وهذا يعني أنهم لم يكن لهم جمع في الظهرين.
  • ما رواه الأثرم فِي سُنَنه عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ السُّنَّة إذَا كَانَ يَوْم مَطِير أَنْ يُجْمَع بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ». قال الألباني: لم أقف على سنده لأنظر فيه، ولا على من تكلم عليه… (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 41).
  • قالوا: إن سبب الجمع وجود مشقة الظلمة، ففرقوا بين الظهرين والعشاءين، قال ابن قدامة: ولنا، أن مستند الجمع ما ذكرناه من قول (أبي سلمة)، والإجماع، ولم يرد إلا في المغرب والعشاء، وحديثهم غير صحيح؛ فإنه غير مذكور في الصحاح والسنن. وقول أحمد: ما سمعت. يدل على أنه ليس بشيء، ولا يصح القياس على المغرب والعشاء؛ لما فيهما من المشقة لأجل الظلمة والمضرة، ولا القياس على السفر؛ لأن مشقته لأجل السير وفوات الرفقة، وهو غير موجود هاهنا… (المغني لابن قدامة (2/ 203).

القول الثالث: جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وهو قول الشافعية: جاء في (الموسوعة الفقهية): أما الشافعية فيرون أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر كذلك بسبب المطر ونحوه… (الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 290).

واستدل هؤلاء بأدلة منها:

  • ما رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا، لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ.
  • ما رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ”، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ…

الراجح:

والذي أراه راجحا هو جواز الجمع بسبب المطر وهو ما عليه الجمهور، كما يترجح عندي ما ذهب إليه الشافعية من جواز الجمع بين (الظهرين والعشاءين)، وهو ما ذهب إليه الشافعية وذلك لقوة أدلتهم، ويضاف إلى ذلك:

  • ما رواه عبد الرزاق عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ… (مصنف عبد الرزاق (2/ 556).
  • وجود المشقة في (الظهرين) كما هي في (العشاءين)، فالمطر أباح الجمع في المغرب والعشاء، فما المانع من أن يبيحه في الظهر والعصر. ولا ينفي هذا وجود المشقة الأكبر في العشاءين لوجود الظلمة.
  • وجود مشقة العمل في وقت الظهرين، وهذا وجوده أكثر في (العصرين) أكثر منه في وقت المغربين وذلك لكون أغلب الأعمال تكون نهارا لا ليلا،
  • قياس ذلك على السفر، جاء في المعني: ولأنه (معنى) أباح الجمع، فأباحه بين الظهر والعصر، كالسفر… (المغني لابن قدامة (2/ 203).

وقد رجح ذلك ابن تيمية فقال: بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضا للمطر؛ كان قد جمع من غير خوف ولا مطر، كما أنه إذا جمع في السفر وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر، فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفيا منه للجمع بتلك الأسباب؛ بل إثبات منه لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضا. ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى، فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر… (مجموع الفتاوى (24/ 83).

ومما سبق فما قاله لكم بعض الإخوة من أن جمع الظهر مع العصر بسبب المطر غير جائز، فهذا ما قول المالكية والحنابلة، لكنه جائز على قول الشافعية، وهو الراجح كما ذكرت سابقا…

هذا؛ واالله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

؟؟؟؟؟؟

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*