حكم الاحتفال برأس السنة والتهنئة به

 

ملخص الفتوى:

أما الاحتفال بــــــــــ (رأس السنة الميلادية) فأكثر الأقوال على حرمته ليس لكونه عيدا دينيا، وإنما لما يصاحبه من مخالفات ومنكرات…. ولما فيه من ذوبان الشخصية المسلمة في تقاليد وعادات غيرها، لكن الاحتفال وإن أتى به البعض فلا يعدّ كبيرة من الكبائر، بل هو مخالفة تحتاج إلى تنبيه وحسن أمر بمعروف، ونهي عن منكر، أما التهنئة بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية)؛ فلا شك أن الخلاف فيها سيزداد، والذي أراه راجحا هو جواز التهنئة  وفق شروط، منها أن تكون هناك حاجة  ألا تشمل التهنئة رضا أو إقرارا بما يفعله الآخر، أن تكون هناك مصلحة متحققة من هذه التهنئة، ألا تتضمن التهنئة كلاما يخالف الشرع.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

يأتي العام الميلادي الجديد وفيه يتجدد هذا السؤال: ما حكم الاحتفال والتهنئة برأس السنة الميلادية، وفي هذه السطور سوف أبين حقيقة هذا الأمر، وأقول وبالله التوفيق:

  • رأس السنة مناسبة اجتماعية وليس عيدا:

هذا الأمر يحتاج إلى بيان حقيقة ما يسمى بـــــــــــــ (رأس السنة)، إذ التاريخ الميلادي هو مجموعة من تراكمات متداخلة من التعديل والتطوير حسب أمزجة القساوسة والحكام، واستقر الأمر في النهاية إلى اعتباره (12) شهرا، وأصبح المجتمع الغربي كله يتعامل بهذا التاريخ، بل هو المعتمد كذلك في عالمنا العربي والإسلامي.

وعليه فإن (رأس السنة الميلادية) يختلف عن (الكريسماس) الذي يأخذ الطابع الديني، أما (رأس السنة الميلادية) فلا يأخذ الطابع الديني، ولا يعد شعارا دينا، بل هو أقرب ما يكون إلى ما يسمى بالمناسبات الاجتماعية أو الفلكلورية.

والحديث عن (رأس السنة الميلادية) ينقسم إلى أمرين:

  • الأول: الاحتفال بــــــــــــ (رأس السنة الميلادية):

أما الاحتفال بــــــــــ (رأس السنة الميلادية) فأكثر الأقوال على حرمته ليس لكونه عيدا دينيا، وإنما لما يصاحبه من مخالفات ومنكرات…. ولما فيه من ذوبان الشخصية المسلمة في تقاليد وعادات غيرها، وقد نهينا عن التشبه بالآخر، روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (صححه الألباني في صحيح الجامع (6148).

لكن الاحتفال وإن أتى به البعض فلا يعدّ كبيرة من الكبائر، بل هو مخالفة تحتاج إلى تنبيه وحسن أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وقد يشارك البعض في هذه الاحتفالات إن كانت خالية من المنكرات، وكان للمرء من الظروف ما تدعوه أو تلجئه إلى هذه المشاركة (من باب الضرورة أو الحاجة)، كأن يدعى من رئيس في العمل وكان في غيابه ما يؤثر على عمله، على أن يكون المسلم في حضوره أو مشاركته محافظا على دينه وخلقه، فإن رأى منكرا أنكر وانصرف بأدب وذوق.

  • الثاني: التهنئة بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية):

أما التهنئة بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية)؛ فلا شك أن الخلاف فيها سيزداد، وحيث إنهم اختلفوا في التهنئة بــــــ (رأس السنة الهجرية) وهو عام إسلامي فمن باب أولى سيكون الخلاف فيما هو ميلادي أو غير إسلامي.

  • القول الأول: تحريم التهنئة بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية):

والقائلون بهذا القول لهم من الأدلة ما يعتمدون عليه، ومن ذلك:

  1. أنه تشبه بالآخر ونحن منهيون عن التشبه، روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».

ويجاب عن ذلك: بأن التشبه المنهي عنه الذي يوافق فيه الظاهر الباطن، قال بهذا المناوي في فيض القدير: تشبه بقوم: أي تزيا في ظاهره بزيهم، وفي تعرفه بفعلهم، وفي تخلقه بخلقهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم، أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن… (فيض القدير (6/ 104).

  1. أنه بدعة لم يفعلها النبي ولا الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه:”وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ”، (قال محققو المسند: حديث صحيح).

ويجاب عن ذلك: بأن البدعة المنهي عنها ما كان في العقائد والعبادات، وهذه التهنئة من العادات التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها من العقائد والعبادات.

  1. أن التهنئة إنما تكون عند حدوث نعمة أو دفع نقمة، وأي نعمة أتت أو نقمة دفعت في مجيء شهر أو عام جديد؟!

ويجاب عن ذلك: بأن كل يوم ينشق فجره، وكل شهر يبزغ هلاله، وكل عام تتجدد ساعاته، هو نعمة من نعم الله أمد الله للعبد فيها عمره، فإن كان العبد محسنا زاد من إحسانه، وإن كان مسيئا فتح له من أبواب التوبة ما لا يكون لغيره من الأموات، وفي البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ”.

  1. تكرار التهنئة في كل شهر وكل عام يجعلها عيدا ونحن ليس لنا سوى عيدين!!

ويجاب عن ذلك: بأن تكرار التهنئة في كل شهر وفي كل عام لا يجعل ذلك المناسبة عيدا، لأن العيد ما جاء به الشرع والدين، وكان فيه ما فيه من العبادات والطاعات، كل ما في الأمر أن مناسبة طيبة حلّت، وأيام نفحات طلت فاغتنم الناس الفرصة لتهنئة أنفسهم وذويهم.

  1. تكرار التهنئة يفتح الباب على مصراعيه للتهنئة بيوم الاستقلال واليوم الوطني، وهذا أيضا لم يكن معروفا من قبل!!

ويجاب عن ذلك: بأن التهنئة بيوم الاستقلال واليوم الوطني لأي بلد لم يأت دليل على منعه، لأنه كما سبق من العادات لا العبادات، كما أن استقلال البلاد أمر يستوجب الفرح والتهنئة.

  1. ويضاف ذلك أنها مناسبة ارتبطت ببعض الشعائر أو العبادات عند غير المسلمين، وربما زاد البعض فقال بأن فيها من الرضا والإقرار بما عليه هؤلاء القوم من الأفعال الكفرية.

ويجاب عن ذلك: بأنه ليس شرطا أن يكون في التهنئة رضا بما يفعله المخالف، كل ما يفعله المهنئ تهنئة لا رضا.

  • القول الثاني: جواز التهنئة بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية):

والذي أراه أنه لا مانع من التهنئة بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية) والدليل على الجواز ما يلي:

  1. أن هذه المناسبة تعد مناسبة اجتماعية لا مناسبة دينية لغير المسلمين، وما كان من هذا الباب فهو من باب العادات، وقد يكون المرء في حاجة إلى ذلك إذا كان يعيش في مجتمعات غربية، وبخاصة إذا ترتب على ذلك مصلحة دنيوية كتهنئة قريب (زوجة أو أب أو أم أو ذوي رحم) أو تهنئة صديق عمل، أو زميل دراسة، أو قريب سكنى..
  2. ويؤكد هذا أن الصحابة عليهم رضوان الله عليهم اقترحوا أن يؤرخوا بتواريخ مختلفة، أرّخ بها من سبقهم من الأمم، وقد رفضت لا لكونها تخص غير المسلمين، وإنما رفضت لما فيها من طول أو عدم ضبط، ذكر ابن الجوزي: عن ميمون بن مهران، قال: دفع إلى عمر رضي الله عنه صكٌ محله في شعبان، فقال عمر: شعبان هذا الّذي مضى أو الّذي هو آت أو الّذي نحن فيه” ثمّ جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه. فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الرّوم. فقيل: إنّه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين. فقال قائل: اكتبوا تاريخ الفرس؛ كلما قام ملك طرح ما كان قبله. فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه أقام عشر سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب/ ابن الجوزي/  ص 61).
  3. أن التهنئة حتى وإن كانت بـــــــــــ (رأس السنة الميلادية) لا يدخل في أمور العبادات؛ بل هو من العادات، والأمو فيها واسع، والتهنئة دعاء لا بأس به في الأعياد وفي غيرها، وإذا قصد بها إظهار السرور والبشر وحسن الخلق، والتذكير بنعم الله تعالى، فهذا لا بأس به.
  4. ما قيل في جواز التهنئة بــــ (الكريسماس)، على الرغم من كونه عيد مرتبط ببعض الشعائر الدينية.
  • الراجح في التهنئة بــ (رأس السنة):

والذي أراه راجحا هو جواز التهنئة لما سبق من الأدلة، ولما ذكرته من أدلة في جواز التهنئة بــــ (الكريسماس) – بشروط ذكرتها سابقا- وملخصها:

  1. ليس هناك نص صريح صحيح في النهي.
  2. اعتبار ذلك من البر والقسط.
  3. هو من الدعاء والدعاء لهم جائز.
  4. التهنئة مجاملة لا تعني الرضا ولا الإقرار.
  5. قياس التهنئة على السلام.
  6. دخول التهنئة في عموم قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.
  7. دخول التهنئة في عموم قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
  8. اعتبار التهنئة من أنواع الصلة التي أمرنا بها.
  9. دخول التهنئة في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}.
  • شروط وضوابط ينبغي أن تراعى:

وهذا وإن تم فإنه يكون وفق هذه الشروط:

  1. أن تكون هناك حاجة لهذه التهنئة.
  2. ألا يكون صاحب الدين معاديا للإسلام أو محاربا لأهله، أو محاربا للإنسانية.
  3. ألا تشمل التهنئة رضا أو إقرارا بما يفعله الآخر من مخالفة شرعنا.
  4. أن تكون هناك مصلحة متحققة من هذه التهنئة، سواء كانت هذه المصلحة دنيوية، أو كانت مصلحة دينية.
  5. ألا تحمل التهنئة نصا قرآنيا، لأنه قد يسيء إلى النص ولا يقدره، إلا إذا كان في ذلك دعوة من خلال هذا النص القرآني.
  6. ألا تتضمن التهنئة كلاما يخالف الشرع.

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*