(42) حكم تقديم وقت الدين وتقليل القيمة

  1. السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ عليّ دين لأحد الناس، وقد عرض علي عرض، قال لي: لو قدمت وقت الدين سأضع عنك جزء من الدين فهل ذلك جائز أم لا؟

ملخص الفتوى:

هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، والذي أراه هو جواز تعجيل الدين مع تقليل قيمته، لأن هذه المعاملة تحقق مصلحة للطرفين (الدائن والمدين)، وهذه الصورة صورة مناقضة لصورة الربا، لأن فيها نقص في الدين ونقص في الأجل. على ألا يكون ذلك على اتفاق مسبق، وألا يدخل طرف ثالث بينهما.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فهذه المسألة تعرف عند العلماء بـــ (ضَعْ وتَعَجَّلْ)، ومعناها: ضع بعض الدين وتعجل في تسديده، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، بين محرم ومجيز، وهاك بيان ذلك:

  • الحرمة: وقد ذهب الجمهور إلى الحرمة، وقالوا: بأن هذه الصورة شبيهة بصورة الربا، جاء في (الموسوعة الفقهية): يرى جمهور الفقهاء أنه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجل، فقال المدين لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته، فإن ذلك لا يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. (الموسوعة الفقهية الكويتية (2/ 39). واستدلوا بما يلي:
  • ما رواه البيهقي عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: أَسْلَفْتُ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ، ثُمَّ خَرَجَ سَهْمِي فِي بَعَثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: عَجِّلْ لِي تِسْعِينَ دِينَارًا وَأَحُطُّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” أَكَلْتَ رِبًا يَا مِقْدَادُ، وَأَطْعَمْتَهُ”. (السنن الكبرى للبيهقي (6/ 47). قال ابن القيم: وفى سنده ضعف… (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 12).
  • ما رواه البيهقي عنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَيُعَجِّلُ لَهُ الْآخَرُ، قَالَ: فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْهُ… (السنن الكبرى للبيهقي (6/ 47).
  • أن هذه الصورة شبيهة بصورة الربا الذي هو زيادة في المال مقابل الزمن، قال ابن رشد: عمدة من لم يجز ضع وتعجل: أنه شبيه بالزيادة مع النظرة المجتمع على تحريمها، ووجه شبهه بها أنه جعل للزمان مقدارا من الثمن بدلا منه في الموضعين جميعا، وذلك أنه هنالك لما زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمنا، وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه في مقابلته ثمنا… (بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/ 162)
  • الجواز: وقال به عدد من السلف، منهم ابن عباس وزيد بن ثابت، وهو قول عند كل من الشافعي وأحمد، واختاره ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واستدلوا بما يلي:
  • ما رواه الطبراني في الأوسط عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ، أَتَاهُ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّ لَنَا دُيُونًا لَمْ تَحِلَّ، فَقَالَ: «ضَعُوا وتَعَجَّلُوا» المعجم الأوسط (1/ 249).
  • ما رواه عبد الرزاق عن ابْن عَبَّاسٍ قال: إِنَّمَا الرِّبَا أَخِّرْ لِي، وَأَنَا أَزِيدُكَ وَلَيْسَ، عَجِّلْ لِي وَأَضَعُ عَنْكَ… (مصنف عبد الرزاق (8/ 72).
  • الراجح:

والذي أراه راجحا هو القول بالجواز، وذلك لأمور:

  • كون هذه المعاملة تحقق مصلحة للطرفين (الدائن والمدين)، وقد جاء النص بالجواز كما سبق.
  • وجود فرق كبير بين هذه المعاملة وبين الربا، إذ أنهما متناقضتان، فالربا زيادة في المال وزيادة في الزمن، وهنا نقص في الدين ونقص في الأجل. فكيف نقيس مسألة على عكسها.

ولابن القيم كلام ماتع في (إغاثة اللهفان) جاء فيه: قالوا: وهذا ضد الربا، فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لا حق بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، فهذا ضد الربا صورة ومعنى…. (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 13).

وذهب المجمع الفقهي إلى الجواز، فقد جاء في قراراته: الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين، (ضع وتعجل) جائزة شرعًا، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق. وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية. فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذٍ حكم حسم الأوراق التجارية…

والله تعالى أعلم…

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*