- السؤال: السلام عليكم ورحمة وبركاته….. هل يجوز صلاة الجمعة بعد وقت العصر؛ حيث إننا نسكن في أمريكا وأذان العصر فيما يعرف بالتوقيت الشتوي يكون بعد خروج أولادنا من المدارس (الأذان يكون في بعض الأوقات 2.15)، ويصعب على أولادنا إدراك صلاة الجمعة قبل وقت العصر، مما يجعلنا نقيم صلاة الجمعة بعد دخول وقت العصر، فهل هناك من الفقهاء من قال بجواز ذلك؟ وماذا لو عجز البعض عن صلاة الجمعة في وقتها لكن لديهم وقت فيما يعرف بــ (ساعة الغداء) فهل يجوز لهم أن يصلوا الجمعة قبل دخول وقت الظهر؟ أفيدونا مشكورين….. وجزاكم الله خيرا .
خلاصة الفتوى:
جمهور الفقهاء على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وأنه لا يجوز صلاة الجمعة لا قبل دخول وقت الظهر ولا بعد دخول وقت العصر، وللإمام أحمد قول بجواز صلاة الجمعة قبل وقت الظهر، إذ وقتها عنده وقت صلاة العيدين، كما أن الإمام مالك قال بجواز صلاتها ما لم تغرب الشمس، وأرى أن قول الجمهور أحوط وأسلم ما لم تكن هناك حاجة لذلك، لكن إن وجدت ضرورة أو حاجة كما هو الحال في بلاد الغرب فلا مانع من صلاة الجمعة قبل وقت الظهر وكذلك بعد خول وقت العصر ما لم تغرب الشمس، بل أرى ذلك واجبا إن لم يكن في مقدور الشباب صلاة الجمعة إلا في ذلك الوقت، وعلى القائمين على المؤسسات والمراكز الإسلامية إعداد خطباء يستطيعون أداء هذه الرسالة، فإن لم يفعلوا كانوا آثمين، على أنه يجب العودة إلى الأصل إن زال هذا العذر كما في وقت الصيف أو في أيام العطلات.
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين..
أما بعد،،،
فشكر الله للقائمين على المسجد حرصهم على أداء الشباب صلاة الجمعة، وأسأل الله أن يحفظ أولادنا جميعا، وأن يجعلهم دعاة حق وخير في هذه البلاد.
وأما بالنسبة للسؤال فسوف أتطرق لأمور ثلاثة:
- وقت الجمعة.
- حكم صلاة الجمعة قبل وقتها (قبل الظهر).
- حكم صلاة الجمعة بعد وقتها (بعد العصر).
وأقول وبالله التوفيق:
- أولا: وقت الجمعة:
جمهور الفقهاء على أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، وعليه فمن صلاها في وقت الظهر فقد صحّت صلاته، ومن صلاها في غير وقت الظهر فصلاته باطلة، لأن من شروط صحة الصلاة دخول الوقت. جاء في (الموسوعة الفقهية): ووقتها عند الجمهور هو وقت الظهر…. (الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 178)
- ثانيا: صلاة الجمعة قبل وقتها (قبل الظهر):
وإذا صلى البعض صلاة الجمعة قبل الزوال، فللعلماء قولان:
القول الأول: عدم الجواز: وهو قول الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية والصحيح عند الحنابلة)، قال النووي: قال الشافعي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال. (المجموع شرح المهذب (4/ 512)
واستدلوا لذلك بأدلة منها:
- ما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ». وفي الحديث ما يدل على فعل الصلاة بعد زوال الشمس لا قبل الزوال:
- ومعنى (تميل الشمس): أي عن وسط السماء، وهو ما يعرف بالزوال، وهو أول وقت الظهر، فإن صلى قبل ذلك فلا تصح الصلاة:
- ومعنى (كان يصلي) أي يواظب على فعل ذلك.
- ما رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ.
القول الثاني: الجواز، وهو قول عند الإمام أحمد، وانتصر له الشوكاني وجعلوا وقتها وقت صلاة العيد ووقت الضحى، قال الشوكاني: وأصرح من هذا حديث جابر المذكور في الباب، فإنه صرح بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها عند الزوال، ولا ملجئ إلى التأويلات المتعسفة التي ارتكبها الجمهور، واستدلالهم بالأحاديث القاضية بأنه – صلى الله عليه وسلم – صلى الجمعة بعد الزوال لا ينفي الجواز قبله…. (نيل الأوطار (3/ 309). وقال ابن قدامة: وإن صلوا الجمعة قبل الزوال أجزأتهم… (المغني لابن قدامة (2/ 264).
واستدلوا بأدلة منها:
- ما رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا»، قَالَ حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ: فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَالَ: «زَوَالَ الشَّمْسِ».
- ما رواه مسلم أيضا عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ، فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ….
- ومعنى ذلك أنهم كانوا يبدأون صلاتهم قبل الزوال.
- الراجح:
والراجح لا شك هو قول الجمهور، وأنه لا يجوز صلاة الجمعة إلا في وقت الظهر، وقد ناقش النووي أدلة من قال بالجواز، وقال: احتجاجهم بحديث جابر وما بعده أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره… المجموع شرح المهذب (4/ 512).
ولكن لا مانع من صلاة الجمعة قبل وقت الظهر (قبل الزوال) إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى ذلك كما هو الحال في بلاد الغرب، ويكون ذلك من باب التيسير، وتعويد الأولاد على أداء هذه الفريضة، على أن يستشار في ذلك أهل العلم، ويتم الاتفاق على ذلك مع القائمين على هذه المؤسسات، ويعلن عن ذلك حتى لا يكون لأحد عذر.
- ثالثا: صلاة الجمعة بعد وقتها (بعد العصر):
وأما صلاة الجمعة بعد دخول وقت العصر فيرى جمهور الفقهاء بأن وقت انتهاء الجمعة هو وقت انتهاء صلاة الظهر وبداية صلاة العصر، ومن ثم فإنه لا يجوز صلاة الجمعة بعد دخول وقت العصر.
ولكن المالكية لهم قول بالجواز إن كانت هناك حاجة لذلك، وهذا يعني أنه تجوز صلاة الجمعة عند المالكية ما لم تغرب الشمس، جاء في (المدونة): أرأيت لو أن إماما لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر؟ قال: يصلي بهم الجمعة ما لم تغب الشمس، وأن لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب.
ويظهر أن القول بجواز صلاة الجمعة بعد دخول وقت العصر -كما يرى المالكية- إنما لكون وقت الظهر والعصر متداخلان.
الراجح:
والذي يترجح لي هنا: أنه لا يجوز صلاة الجمعة بعد دخول وقت العصر دون الحاجة إلى ذلك، لأنه مخالف لما جاءت به أدلة الشرع، وما عليه عمل الأمة منذ عهد الصحابة وإلى وقتنا هذا، لكن إن وجدت الضرورة فلا مانع من الأخذ بقول المالكية، على أن يكون ذلك وفق شروط وضوابط.
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث والقرضاوي يقولان بذلك:
وقد أفتى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث وكذلك القرضاوي بالعمل بقول الإمام أحمد في تقديم صلاة الجمعة على وقت الظهر، وتأخيرها إلى قبل الغروب إن دعت الحاجة عملا بقول الإمام أحمد في التقديم وقول الإمام مالك في التأخير، وهذا كلامهم في ذلك:
- المجلس الأوربي للإفتاء: جاء في قرارت المجلس: وقد خلص المجلس إلى أن وقت الجمعة المتفق عليه هو بعد الزوال إلى العصر وهو الأولى والأحوط والواجب على أئمة المسلمين أن يحرصوا دائماً على الخروج من المختلف فيه إلى المتفق عليه ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. أما إذا تعارض ذلك مع ظروف المسلمين في بعض البلدان، أو في بعض الأوقات أو في بعض الأحوال فلا حرج في الأخذ بالمذهب الحنبلي بإقامة صلاة الجمعة قبل الزوال، وكذلك في الأخذ بالمذهب المالكي بجواز تأخير الصلاة إلى وقت صلاة العصر تقديراً للحاجة، وتحقيقاً لهذه المصلحة الدينية.
- يقول القرضاوي: أما إذا تعارض ذلك مع ظروف المسلمين في بعض البلدان أو في بعض الأوقات، أو في بعض الأحوال؛ فلا حرج في الأخذ بالمذهب الحنبلي في التبكير بالصلاة قبل الزوال، ولو في وقت صلاة العيد عند الضرورة؛ فإن للضرورات أحكامها. وكذلك في الأخذ بالمذهب المالكي بجواز تأخير الصلاة إلى ما بعد العصر؛ تقديرا للحاجة، وتحقيقا لهذه المصلحة الدينية. على أن يعلن ذلك على المسلمين ويعرفوه، ويتفقوا عليه؛ حتى يجتمعوا عليه، ويؤدوا فريضتهم الأسبوعية، كما أمر الله تعالى ورسوله (al-qaradawi.net)
شروط وضوابط لصلاة الجمعة قبل وقت الظهر وبعد دخول وقت العصر:
والقول بجواز صلاة الجمعة قبل وقت الظهر (قبل الزوال) وبعد دخول وقت العصر لا يكون بالإطلاق، وإنما يجوز بشروط وضوابط:
- أن تكون هناك ضرورة أو حاجة ماسة لفعل ذلك، لأن الضرورات تبيح المحظورات، كما هو الحال في الجالية المسلمة التي تعيش في الغرب، والتي يصعب على أفراده وخصوصا الشباب ترك مدارسهم أو جامعتهم وقت الصلاة، مما قد يجعلهم لا يصلون الجمعة مطلقا طيلة أيام الدراسة وهو ما يقرب من 10 أشهر.
- أن يتم الاتفاق على ذلك فلا ينفرد بذلك آحاد الناس، وإنما يكون ذلك بعد الرجوع إلى أهل العلم المتخصصين الذين يجمعون بين فقه النص وفقه الواقع، ثم يقرر القائمون على أمر الجالية ذلك.
- يجب الإعلان عن ذلك لتقوم الحجة على أولياء الأمور، ولا يكون عذر لأحد في تخلفه عن الجمعة، وفي الحديث عند أحمد عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ” (قال محققو المسند: حديث حسن).
- وعليه فإذا تعذر للشباب في الغرب (أوروبا وأمريكا) صلاة الجمعة في وقتها نظرا لارتباطهم بالمدارس الحكومية فلا مانع من إقامة صلاة الجمعة وقتما تيسر لهم، حتى وإن كان ذلك بعد دخول وقت العصر.
- إذا كان هناك من الآباء من يصعب عليه المجيء في وقت الجمعة الأولى جاز له أن يصلي مع الشباب لوجود ضرورة أو حاجة لذلك.
- إذا زالت الضرورة ولم تعد الحاجة داعية لذلك وجب على القائمين على العمل الإسلامي في المؤسسات والمراكز والمساجد أن يجعلوا الصلاة في وقتها، وهذا يعني أن أيام العطلات والإجازة الصيفية لا يجوز إقامة صلاة الجمعة بعد العصر، وإنما يكلف الآباء بإحضار أبنائهم ليصلوا مع الناس في وقت الجمعة.
وجوب الجمعة الثانية بعد العصر:
وأرى أن إقامة صلاة الجمعة الثانية للأولاد في الغرب (أمريكا وأوربا) أمر واجب، وهذا يعني أنه يتعين على المؤسسات والمراكز الإسلامية القيامة بهذه الجمعة، وذلك لأن الجمعة تكاد تكون المصدر الوحيد لتلقي علوم الشريعة، خصوصا إذا كان أولياء الأمور بعيدين عن المساجد قهرا بسبب متطلبات الحياة، أو طواعية وأعني بذلك عزوفا عن الدين وتعاليمه، وبالتالي فتصبح خطية الجمعة هي المصدر الوحيد وبخاصة إذا كان الأولاد يتعلمون في مدارس أجنبية، فتبقى خطبة الجمعة مصدرا لتعلم عقائد الإسلام وعباداته، وأخلاق الشريعة وخصائصها.
على أنه ينبغي كذلك أن تكون هذه الخطبة خطبة مركزة، يقوم بها خطباء متخصصون بلغة مناسبة للأولاد (لغة البلاد)، فإن لم يكن هناك من العلماء من يقوم بهذه الجمعة، فيجب اختيار واحد من الشباب لديه من العلوم الشرعية ما يؤهله لذلك، ولا يكتفى أن يكون شيخه (جوجل) أو مرجعه (شات جي بي تي)، وإنما يجب أن يكون لديه بعض إلمام بأحكام الشريعة، وأقلها (فقه الجمعة)، وحتى يتسنى وجود من يصلح لذلك فقها ولغة وخبرة؛ فواجب أن يتم اختيار عدد من الشباب على أن يكون لهم مرجعية من الدعاة الذين لديهم فقه وخبرة، ممن يجمعون بين فقه الشرع وفقه الواقع.
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب