هل السيدة فاطمة بنت النبي تكنى بــــ (أم أبيها) ولماذا؟
- السؤال: هل صحيح أن السيدة فاطمة كانت تكنى بـــ (أبيها) وإن صحّ فلماذا هذه الكنية؟ زما معناها؟
ملخص الفتوى:
فلا شك أن فاطمة هي أفضل نساء هذه الأمة، وتأتي بعد مريم في أفضلية نساء العالمين، وهي أفضل من عائشة ومن أمها خديجة رضي الله عنهم أجمعين، وقد ذكرت كتب السير والتاريخ هذه الكنية (أم أبيها)، ولا يعرف من أطلقها، ولعل قيامها بما يحتاجه أبوها محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمها كان سببا لذلك، ولا مانع من إطلاق ذلك عليها.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛ أما بعد…
فلا شك أن السيدة فاطمة عليها السلام ورضي الله عنها من خير نساء الدنيا، ولا يتقدمها في الفضل أحد إلا مريم عليها السلام، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42]، وقد اختلف العلماء في لفظ (العالمين)؛ قال القرطبي: يعني عالمي زمانها، عن الحسن وابن جريج وغيرهما. وقيل: على نساء العالمين أجمع إلى يوم الصور، وهو الصحيح… والأحاديث تقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، فإن الملائكة قد بلغتها الوحي عن الله عز وجل بالتكليف والإخبار والبشارة كما بلغت سائر الأنبياء… فهي أفضل من كل النساء: الأولين والآخرين مطلقا. ثم بعدها في الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية. تفسير القرطبي (4/ 82)، وقد دلت الأحاديث على فضل أربع من النسوة، هن مريم وفاطمة وخديجة وآسية، وفي المقدمة تأتي مريم ثم تليها فاطمة، ثم أمها خديجة، ثم آسية امرأة فرعون. روى ابن أبي شيبة في مصنفه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بَعْدَ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةَ ابْنَةِ خُوَيْلِدٍ» مصنف ابن أبي شيبة (6/ 388). قال ابن حجر: وقد أورد ابن عبد البر من وجه آخر عن بن عباس رفعه “سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية” قال وهذا حديث حسن… (فتح الباري لابن حجر (7/ 136).
هل وردت هذه الكنية؟
وقد جاء في عدد من كتب السير والتاريخ ما يدل على هذه الكنية، روى الطبراني عن بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: «كُنْيَةُ فَاطِمَةُ أُمُّ أَبِيهَا» المعجم الكبير للطبراني (22/ 397)، وروى أيضا عن مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الْمَدِينِيّ فُسْتُقَةُ قَالَ: «وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَنَّى أُمَّ أَبِيهَا يُقَالُ كَانَتْ أَصْغَرَ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ، وَيُقَالُ: بَلْ كَانَتْ تَوْأَمَ عَبْدِ اللهِ ابْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. (المعجم الكبير للطبراني (22/ 397).
وعرفها بذلك الذهبي فقال: فاطمة رضي الله عنها [المتوفاة: 11 ه]، وهي سيدة نساء هذه الأمة، كنيتها فيما بلغنا: أم أبيها… (تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 29)، ومثله فعل ابن حجر فقال: فاطمة الزّهراء: بنت إمام المتقين رسول اللَّه: محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشميّة، صلّى اللَّه على أبيها وآله وسلّم ورضي عنها. كانت تكنى أم أبيها… (الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 262).
من الذي سماها ولماذا؟
لم يثبت بدليل قاطع من الذي سماها، أما لماذا هذه التسمية؟ فيمكن القول بأنها أخذت هذه الكنية لأمور:
- بيان عظيم منزلتها، وقد ورد أنها أفضل نساء هذه الأمة.
- لعل هذا دليل حبه صلى الله عليه وسلم لها، وما زلنا نرى حتى الآن من أحب أحدا من أولاده ناده: يا (أماه) أو يا (أمي) أو (يا أمه).
- أنها كانت تقوم بجزء من دور الأم، فكم أزاحت عنه من الأذى الذي كان يفعله المشركون، وخصوصا أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أمه صغيرا، وفقد زوجته خديجة، وفقد من تربى في بيتها فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب. ويكفينا هنا ما رواه مسلم صحيح مسلم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتبةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» – وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ – فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ – قَلِيبِ بَدْرٍ – ».
وأخيرا: فلا مانع من إطلاق ذلك عليها من باب تكريمها، وقد عرفها به كبار المؤرخين المحدثين.
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب