هل يقبل إسلام من قال: سأشرب الخمر، لن أرتدي الحجاب؟؟
- السؤال: فضيلة الدكتور: السلام عليكم ورحمة الله… هل لو جاءت امرأة تريد أن تدخل الإسلام وقالت لن أتحجب هل نقبل منها ذلك؟ وماذا لو قال رجل سأقبل الإسلام ولكن سأشرب الخمر أو لن أحج، هل نقبل منه ذلك أم نفرض عليه الإسلام؟؟
ملخص الفتوى:
لا مانع من قبول من أتى مسلما حتى وإن اشترطا شرطا فاسدا، أو ترك بعض أوامر الإسلام، كأن يصر على شرب الخمر، أو ترفض لبس الحجاب، هذا جائز ثم ندعوهم إلى الدين كله، ونراعي في ذلك الزمان والمكان، ولأن يلقى الرجل أو المرأة ربه بذنوب كثيرة خير من أن بلقاه كافرا مشركا.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
فأقول وبالله والتوفيق:
الحكمة والتدرج مطلوبان في الدعوة:
الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى حكمة، وأعني بالحكمة ما قاله ابن القيم: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي… (مدارج السالكين (2/ 449). هذه الحكمة تقتضي وضع الشيء في محله، ومخاطبة الناس كل على قدره، فالكبير ليس كالصغير، والعالم ليس كالأمي، ودعوة المسلم ليست كدعوة غيره، والقرآن يعلمنا ذلك فيقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. وما أروع موسى عليه الصلاة والسلام حين تعامل مع فرعون مرة باللين ومرة بالشدة، فقال له: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]، وذلك حين اتهمه في الرسالة وقال له: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: 101]، ولهذا حين اشتد تطاول المشركون على نبينا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: “أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ” (رواه أحمد: قال محققو المسند: إسناده حسن).
ومهم أن ندرك أن التدرج في الدعوة مطلوب، وأعني بالتدرج في الدعوة ما جاءت به الشريعة، ومن ذلك ما رواه البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». ومثل ذلك ما رواه الشيخان عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ».
الإسلام دين شامل يجب أخذه كله:
وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، فهذا لمن قبل الإسلام وقبل شعائره، ولمن ولد في الإسلام وترعرع في حياضه، فهذا لا يقبل منه بأقل مما افترضه الله عليه، ولا يسقط عنه شيء من التكاليف الشرعية بدون عذر، ولهذا عاقب النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا لتركهم الخروج معه في تبوك، قال تعالى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118].
ولهذا يجب أن نفرق بين من نشأ في بلاد الإسلام بين أبوين مسلمين، ومجتمع مسلم، وبيئة مسلمة، يسمع الآذان صباح مساء ليل نهار، ويؤمر بالصلاة والصيام منذ نعومة أظفاره، فهذا لا يقبل منه التقصير، ولا يوافق على ترك فريضة أو مأمور، فإن رفض شيئا كان واجبنا التوضيح والبيان، وإن أصرّ كان واجبنا النصح والتبليغ، ونذكره بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، وإلا فهو معاند مكابر؛ ومثل هذا نذكره بقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].
وقد ذكرت في فتوى أخرى أن قبول الإسلام على شرط فاسد يجوز مع نوعين:
- مع المسلمين الجدد لا مع من ولد في الإسلام، فليس من الحكمة أن يطالبوا بما نطالب به من ولد في الإسلام، واحتضنته المساجد، ولا أرى مانعا من التدرج مع هذا الصنف في شعائر الإسلام الكبرى، كصلاة وزكاة وصيام وحج.
- العائدون إلى الله بعد أن جرفتهم الحياة المادية، وخصوصا من يعيشون في الغرب، ممن لم يعرفوا عن الإسلام إلا أسماء سماهم بها آباؤهم، وتركوهم في بحر المغريات دون طوق من دين أو سياج من خلق.
وخلاصة القول أن دعوة غير المسلم تحتاج إلى حكمة وتدرج، وأن من أتى إلينا مسلما قبلنا إسلامه على ما يكون، حتى وإن اشترط ألا يصوم، نقبل وسوف يصوم إن شاء الله، وإن قال لن أصلي نقبل منه إسلامه وندعوه وسيصلي إن شاء الله، ومن قال لا أستطيع أن أترك الخمر لا مانع يسلم ونوضح له بعد ذلك، وسيمتنع إن شاء الله، وإن قالت لا أقبل بالحجاب، نقول لها مرحبا، ونوضح لها ذلك…. ولأن يلقى الرجل أو المرأة ربه بذنوب كثيرة خير من أن بلقاه كافرا مشركا.
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب