حكم التدخين (السجائر) وهل من أدلة من القرآن والسنة

 

  1. السؤال: فضيلة الشيخ الدكتور أكرم كساب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد دار حوار بيني وبين أحد الشباب حول حكم التدخين، ولم أستطع إقناعه بحرمته، لأنه يزعم أنه لا نص على تحريم الدخان لا في قرآن ولا سنة! فما هو الحكم مشكورا، وكيف نرد على زعمه هذا؟!!

ملخص الفتوى:

والخلاصة أن أقوال الفقهاء الآن اتفقت على حرمة التدخين لما فيه من ضرر بالغ يلحق بالفرد دينا وخلقا وصحة ومالا وعقلا ونسلا، كما أنه يضر بالمجتمع واقتصاد البلاد.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

فالتدخين من الأمور التي اختلف العلماء في حكمها قديما، فقد قال بعضهم بالإباحة وآخرون بالحرمة وآخرون بالكراهة، لكنا نستطيع أن نقول بأنهم أجمعوا كلمتهم في وقتنا الحاضر على حرمته. وسوف أجيب على هذا السؤال على هذا النحو:

متى وكيف ظهر (الدخان)؟

ظهر التدخين في أواخر القرن العاشر الهجري وأوائل القرن الحادي عشر، وأول من جلبه لأرض الروم (أي الأتراك العثمانيين) الإنكليز، ولأرض المغرب يهودي زعم أنه حكيم، ثم جلب إلى مصر، والحجاز، والهند، وغالب بلاد الإسلام… (الموسوعة الفقهية الكويتية (10/ 101).

اختلاف العلماء في حكم التدخين عند ظهوره والسبب في ذلك؟

وقد اختلف العلماء في حكم التدخين عند ظهور؛ فقائل بالحرمة، وقائل بالجواز، وقائل بالكراهة، أما سبب اختلاف العلماء قديما في حكم التدخين فلكونه كان أمرا مستحدثا، ولم تكن أضراره قد عرفت كما في وقتنا الحاضر، ولم تكن التكلفة الباهظة كما نراها الآن. ولهذا فإن الاختلاف في حكم التدخين ليس اختلافا

لم يرد نص بتحريم التدخين فلماذا تحرمونه؟

بعض الناس عندما يسأل عن حكم التدخين يقولون: إن نصوص الشرع لم تأت بنص يشير إلى حرمة التدخين، ومن ثمّ فيبقى الأمر على أصله، والقاعدة تقول: الأصل في الأشياء الإباحة)، والله يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، ويقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وقد يزعم البعض أن هذا داخل فيما سكتت عنه الشريعةـ ومن ثمّ فهو من العفو المباح، ثم يستشهد بما روى ابن ماجه عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّمْنِ، وَالْجُبْنِ، وَالْفِرَاءِ قَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» (حسنه الألباني والأرناؤوط).

إنهم يريدون نصا صريحا في بيان حكم التدخين! وكأنه يريد نصا يقوا (لا تدخنوا)، (لا تشربوا السجائر)!! فعجبا لهم ثم كل العجب!!

من طرق الاستدلال على الأحكام:

وهذا الصنف من الناس لا يعلم أحكام الشرع ولا كيفية الاستدلال عليها، وذلك لأن الأحكام لا يستدل عليها بالنص الخاص وفقط، وإنما هناك ألفاظ عامة يدخل فيها المستجد من المسائل، وهناك ما يسمى القياس والاستحسان وغير ذلك مما ذكره الفقهاء والأصوليون. ولابن رجب كلام رائع في هذا الباب جاء فيه: ولكن مما ينبغي أن يعلم: أن ذكر الشيء بالتحريم والتحليل مما قد يخفى فهمه من نصوص الكتاب والسنة، فإن دلالة هذه النصوص قد تكون بطريق النص والتصريح، وقد تكون بطريق العموم والشمول، وقد تكون دلالته بطريق الفحوى والتنبيه، كما في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23]، فإن دخول ما هو أعظم من التأفيف من أنواع الأذى يكون بطريق الأولى، ويسمى ذلك مفهوم الموافقة.

وقد تكون دلالته بطريق مفهوم المخالفة، كقوله: «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ»؛ فإنه يدل بمفهومه على أنه لا زكاة في غير السائمة، وقد أخذ الأكثرون بذلك، واعتبروا بمفهوم المخالفة، وجعلوه حجة.

وقد تكون دلالته من باب القياس، فإذا نص الشارع على حكم في شيء لمعنى من المعاني، وكان ذلك المعنى موجودا في غيره، فإنه يتعدى الحكم إلى كل ما وجد في ذلك المعنى عند جمهور العلماء، وهو من باب العدل والميزان الذي أنزل الله، وأمر بالاعتبار به، فهذا كله مما يعرف به دلالة النصوص على التحليل والتحريم. فأما ما انتفى فيه ذلك كله، فهنا يستدل بعدم ذكره بإيجاب أو تحريم على أنه معفو عنه… جامع العلوم والحكم (2/ 164).

الأدلة على حرمة التدخين:

وأما الدليل على حرمة التدخين فهناك ما يستدل به، ومن ذلك:

  • اعتبار التدخين من الخبائث لا الطيبات: وما أكثر الأدلة التي تشير إلى تحريم الخبائث وإباحة الطيبات، كقوله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة: 5]، وقوله سبحانه:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، ولا يستطيع أحد أن يقول: إن التدخين من الطيبات لا الخبائث، وإلا فبالله عليك لو معك (سيجارة) و (تفاحة) ماذا تعطي طفلك؟ العقل السليم والمنطق القويم والفطرة السوية الجميع يقول: أعطي لطفلي التفاحة! والسؤال لماذا؟ والجواب لما في التدخين من ضرر، وما في الفاكهة من نفع.
  • التدخين يخالف مقاصد الشريعة كلها أو جلها: ولا ريب أن التدخين يضر بمقاصد الشريعة جلها أو كلها، والتي هي: (حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل)، وسوف أبين ذلك بشيء من التفصيل، لكن أشير باختصار إلى ضرره لمقاصد الشريعة، فنحن نلحظ أن فيه مضرة للصحة والبدن، وفيه إتلاف للمال، وفيه ضرر للعقل، وفيه مضار للنسل.
  • التدخين يضر بدين المرء: ولا شك أنه يضر بدين المرء حيث يمنعه من طاعات وعبادات؛ وذلك أن المرء إذا أدمن على التدخين فإنه قد يمنعه من الاعتكاف، وقد يلجئه التدخين إلى فعل هذه المعصية أثناء حجه وعمرته، وقد يحول بينه وبين قراءة القرآن، بل بعض المدخنين يعجز عن الصيام لإدمانه التدخين… إلى غير ذلك من السلوكيات، مما يضر بدينه.
  • التدخين كالبصل والثوم في الرائحة والحكم: والجامع بينهم خبث الرائحة، وقد روى الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ – يَعْنِي الثُّومَ – فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا»، وقد نص الفقهاء على كراهة دخول آكل البصل والثوم المسجد، جاء في (الموسوعة الفقهية): البصل والثوم والكراث ونحوها من ذوات الرائحة الكريهة… فإن أكله كره دخوله المسجد حتى يذهب ريحه… (الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 127). ولا شك أن (ورائحة الدخان منتنة مؤذية، وكل رائحة مؤذية فهي ممنوعة، والدخان أشد من البصل والثوم في الرائحة، وقد ورد منع من تناولهما من دخول المسجد، وفرق بين الرائحة المنتنة والرائحة الكريهة، والبصل والثوم ريحهما مكروه وليس منتنا، والدخان ريحه منتن) (الموسوعة الفقهية الكويتية (10/ 104). وقياسا عليه فإن المدخن والذي يحمل فمه ريحا خبيثا يكره له دخول المسجد مصليا حتى يغير رائحة فمه. وذلك لأن المساجد بنيت لذكر الله فيجب تجنبها كل قبيح ومستقذر من الروائح وغيرها.
  • التدخين ضرر على الأخلاق: وكم رأينا من أناس يثورون عند امتناعهم عن التدخين ساعات، ولا يهدأ لهم بال إلا إذا أخرج غضبه في (سيجارة) يفوح منها ريح خبيث، وبدلا من ان يكون المسلم حليما صبورا كاظما للغيظ فإنه يظهر حنقه لبعده عن إدمانه، وسوء الخلق هذا يظهر في بيته بين أسرته وأهله، كما يظهر بين أفراد المجتمع، وقد يظهر أحيانا على عتبات بيوت الله!!
  • التدخين متلف للمال: كما أن في التدخين اتلاف للمال الذي خولنا الله إياه، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]، وهذا الاستخلاف يقتضي حسن التصرف فيه لا مطلق التصرف، وقد جاء في الصحيحين عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ”، ولا شك أن في التدخين تبذير وإسراف، والله تعالى يقول: { وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 26، 27]، ومعلوم أن كل فرد سيقف بين يدي الله ليسأل عن كاله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، روى عند الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» (حسنه الألباني).
  • التدخين مستعبد للإنسان: كما أن التدخين يستعبد الإنسان إذا أدمنه، وأعني بالاستعباد هنا أنه يحوله إلى عبد شهوة وعادة، فيكون هو المتحكم فيه وفي أفعاله، وكم نرى أناسا حين تضرهم الحاجة إلى التدخين فيدخنون خارج مكاتب أو بيوتهم في الحرّ الشديد، والبرد القارص، وهذا فيه ما فيه من الاستسلام لهذه العادة، وقد روى البخاري:” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ”.
  • التدخين يضر باقتصاد الدول: كما أن التدخين يضر باقتصاد الدول، فما ينفق من التدخين كفيل بأن يعدل اقتصاد دول فقيرة، ويعلي اقتصاد دول متقدمة، ولا أتحدث هنا عما ينفقه الناس في التدخين وفقط، وإنما أتحدث عما تنفقه الدول على علاج المدمنين للتدخين.
  • اعتبار التدخين يحتوي على ضرر بالغ بصحة الإنسان وحياته ونسله: كما أن في التدخين مفاسد للبدن، وقد جاءت الشريعة بحفظ البدن، ولهذا قال ربنا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وفي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم:”فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”،
  • القول في حكم التدخين للأطباء قبل الفقهاء: وعلينا أن ندرك أن القول الفصل في حكم التدخين يعود إلى الأطباء، والفقهاء تبع لهم، فإن أقرّ الأطباء بوجود ضرر بالغ في التدخين فالقول قولهم، وعليه يبني الفقهاء حكمهم. وقد أقرّ الأطباء بما في التدخين من ضرر بالغ يلحق بالمدخن وبمن حوله، ومن ذلك ما جاء على موقع منظمة الصحة العالمية: استخدام التبغ يقتل أكثر من 7 ملايين شخص كل عام. وتشير الأبحاث إلى أن الذين بدأوا استخدام التبغ في سن المراهقة (كما يفعل أكثر من 70٪) واستمروا لعقدين أو أكثر في استخدامه، يموتون مبكراً عن الذين لم يستخدموا التبغ قط بمقدار 20 إلى 25 سنة. ولا تقتصر أسباب المشاكل الصحية الخطيرة والموت الذي يصيبهم على سرطان الرئة أو مرض القلب. وتشمل بعض الآثار الجانبية الأقل انتشاراً للتبغ : تساقط الشعر، إعتام عدسة العين، التجاعيد، فقدان السمع، تسوس الأسنان، انتفاخ الرئة، تخلخل العظام، قرحة المعدة، تغير لون الأصابع، الإجهاض، الصدفية، تشوه الحيوانات المنوية، مرض بورغر…. (https://www.emro.who.int/ar/tfi/quit-now/index.html).

 المجامع الفقهية تقول بالحرمة:

وتكاد تكون كلمة العلماء المعاصرين الآن على حرمة التدخين لما ثبت من أدلة يقينة على يلحقه من ضرر بالغ بالمدخن ومن حوله من بشر ومال وخلق، ولا أحسب أن أحدا مما يشهد لهم الناس بالعلم والتقوى يقول بإباحة التدخين الآن، المجامع الفقهية كمجمع الأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي، والمجمع الفقهي… وغيرها من المجامع تقول بالحرمة الآن….

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*