- السؤال: ما حكم استخدام تطبيقات الترجمة الفورية لعرض ترجمة خطبة الجمعة على شاشة بجانب الإمام لغير الناطقين بالعربية؟ وهل هناك مانع شرعي من استخدام هذه التقنية بدلاً من الخطبة الثانية باللغة الإنجليزية؟ سمعت أن الحرمين يستخدمان الترجمة الفورية لعدة لغات عبر أجهزة محمولة؟؟
ملخص الفتوى:
فجمهور المعاصرين على جواز ترجمة الخطبة من العربية إلى غيرها من اللغات وعليه العمل في مساجد الدنيا، ويراعى في الخطبة أن تجمع بين اللغة العربية واللغة المترجم إليها، ولا بد من ذكر الآيات بالعربية قدر المستطاع، وكذلك الحديث النبوي، وأن يكون المترجم في مكان غير مكان الصلاة، ويمكن أن تكون ترجمة الخطبة في آخر الجمعة إن كان في ذلك المصلحة، ويراعى عدد الحضور من الناطقين بغير العربية. ولا بد من الحرص على إيصال الخطبة إلى الناس كل الناس كل بلغته، قدر المستطاع، لأنها مصدر أساسي من مصادر الدعوة والتعليم، وقد تكون المصدر الوحيد في كثير من الأوقات. وأما ترجمة الخطبة على شاشة أثناء الجمعة؛ فلا شك أن في وجود هذه الشاشات شغل للمصلين، وأرى أنه ما لم تكن هناك حاجة ولا ضرورة لذلك فالأولى تركه، وأن يستعاض عن ذلك بطريقة أخرى، أما إذا كانت هناك حاجة أو ضرورة لذلك فلا مانع على أن يخصص مكان لغير الناطقين باللغة العربية على يكون في أحد جوانب المسجد أو زواياه، حتى لا يكون في ذلك شغل شاغل للناطقين بالعربية…
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد؛
فجمهور المعاصرين على جواز ترجمة الخطبة من العربية إلى غيرها من اللغات وعليه العمل في مساجد الدنيا، ويستدل لذلك القول بما يلي:
- أن الكلام وإن كان ممنوعا في خطبة الجمعة إلا أنه يجوز عند الحاجة، روى البخاري عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ” بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ الكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا”، وروى الشيخان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ»، يقول النووي: وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة وفيها جوازه للخطيب وغيره وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن… (شرح النووي على مسلم (6/ 164).وقال ابن قدامة: وما احتجوا به، فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام، أو كلمه الإمام؛ لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل صلى؟ فأجابه. وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب، فأجابه، فتعين حمل أخبارهم على هذا، جمعا بين الأخبار، وتوفيقا بينها… (المغني لابن قدامة (2/ 238).
- أن الله ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَلَهُمْ} [إبراهيم: 4]، والمقصود باللسان اللغة، قال القرطبي: أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة… (تفسير القرطبي (9/ 340).
- أن الحديث بلغة لا يفهمها القوم هو نوع من أنواع العبث، بل وهو داع للسآمة والملل، بل والخروج عن مقصود الخطبة التي سماها الله ذكر في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
- أن الترجمة للناس بلسانهم هو المقصود من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والله يقول:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، قال القرطبي: فالرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه… (تفسير القرطبي (10/ 109).) وإذا كانت وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم بيان القرآن للعرب، فأين بيان القرآن والسنة لغير الناطقين بالعربية؟
- أن ترك الترجمة سيفضي إلى الجهل والنزاع والاختلاف، والشريعة جاءت لدفع الجهل ورفض النزاع ورفع الخلاف.
ترجمة الخطبة أمر مشروع بشروط:
وفي ترجمة الخطبة إلى غير العربية ينبغي أن يراعى في ذلك ما يلي:
- (الجمع بين العربية وغيرها أولى) فيراعى في الخطبة أن تجمع بين اللغة العربية واللغة المترجم إليها، فلا يكتفى بالترجمة فقط، بل لا بد من ذكر الآيات باللغة العربية أولا قدر المستطاع، وأن يؤتى بالحديث النبوي عربيا ثم يترجم، ففي هذا حفاظ للغة العربية.
- أن يكون المترجم في مكان غير مكان الصلاة، وأن يكون ذلك عن طريق الهواتف أو سماعات، فإن لم يتيسر ذلك فليجمع غير الناطقين بالعربية في مكان واحد في جانب من المسجد أو في مؤخرته.
- يمكن أن تكون ترجمة الخطبة في آخر الجمعة إن كان في ذلك المصلحة.
- مراعاة عدد الحضور من الناطقين بغيرها، فلا ينساق البعض وراء ضرورة الحديث بلغة البلد التي يعيش فيها الناس، ويكون ذلك على حساب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 – 195]، فليس بمقبول أن تكون الخطبة بغير اللغة العربية في جالية يغلب عليها الحديث باللغة العربية دون غيرها.
- لا بد من الحرص على إيصال الخطبة إلى الناس كل الناس كل بلغته، فمن واجب الإمام والإدارات الحرص على ذلك، لأن الخطبة في هذه البلاد مصدر أساسي من مصادر الدعوة والتعليم، وقد تكون المصدر الوحيد في كثير من الأوقات ومع العديد من الناس.
ترجمة الخطبة على شاشة:
وأما ترجمة الخطبة على شاشة أثناء الجمعة، فهذا يعني أن تكون الخطبة مكتوبة مسبقا، وأنها ستعرض مع قراءة الخطيب لها؛ فلا شك أن في وجود هذه الشاشات شغل للمصلين، وأرى أنه ما لم تكن هناك حاجة ولا ضرورة لذلك فالأولى تركه، وأن يستعاض عن ذلك بما يلي:
- أن يجمع الخطيب بين اللغتين العربية ولغة الحضور (الإنجليزية أو غيرها).
- أن يجعل الخطبة الأولى بالعربية حتى إذا جلس جلسة الاستراحة جعل الخطبة الثانية باللغة الإنجليزية أو العكس حسب الجمهور الغالب.
- أن تكون هناك ترجمة فورية للخطبة ويستعان في ذلك بالسماعات وما شابه ذلك.
أما إذا كانت هناك حاجة أو ضرورة لذلك فلا مانع على أن يخصص مكان لغير الناطقين باللغة العربية على يكون في أحد جوانب المسجد أو زواياه، حتى لا يكون في ذلك شغل شاغل للناطقين بالعربية…
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب